لم يكذب الشاعر صلاح شاهين حين قال إن اسم مصر أحب الأسماء.. وهي كذلك بالنسبة لنا نحن أهل الإمارات، فقد كانت مصر الرافد الأول بمعلمي المدارس.. كان لنا شرف أن نتعلم على أيدي معلمين مصريين للغة العربية والجغرافيا والتربية الإسلامية وكل المواد الأخرى.. كان من تأثيرهم أننا تعلقنا حباً بالتاريخ والفكر والفلسفة والشعر.

العلاقة بين الإمارات ومصر ضاربة بجذور في أعماق الأرض وفي شغاف القلوب، وهي لا تعد بالسنوات والعقود، وإن كانت الخمسون عاماً الأخيرة فترة عطاء بلا نهاية، كأن مصر خلالها كانت الأم ونحن الأبناء الذين يحظون بالرعاية والاهتمام!
وليس أكثر دلالةً على توغل مصر في تفاصيل قيام الدولة، أن أساتذة القانون المصريين كان لهم الأثر الأكبر في كتابة دستور دولة تولد في بداية السبعينيات.. لم تكن علاقة عادية، بل كانت هي الملاذ الأول والسند الأكبر في إرساء قواعد اتحاد يرى النورَ وكأنه مولود يتلمس طريقَه في الحياة.
وكان من نتاج تلك التجربة هذه العلاقات الإنسانية التي هزَّت وجداننا نحن جيل الاتحاد وتركت لدينا أجمل الآثار والذكريات. فزملاء الدراسة كانوا من أبناء المعلمات، وكانت العلاقة معهم تخلق الدافعية للتفوق وحب العلم والشغف بالتعلم. وكان الانفتاح على الثقافة المصرية فرصةً حقيقيةً لمعرفة مفكري وأدباء مصر التي كانت المضخة الذهبية للكتب والمكتبات التي ساهمت في تأسيس وعي جمعي حول العروبة والقومية العربية والكرامة الوطنية والعربية وأبطال التاريخ العربي.
يحمل اسم مصر بالنسبة لنا كل الذكريات الجميلة وصور الحياة التي علّمتنا في الواقع حرفةَ الخوض في غمار الفكر والفن والأدب.. فالتوازن الذي تميزت به لم يكن تأثيره في حياتنا تأثيراً عادياً، ومثلما كان أحمد شوقي مرجعاً شعرياً ملهماً، كان الشعراوي مرجعاً دينياً موجهاً، وكان نجيب محفوظ مرجعاً أدبياً مغذياً.. وربما لن ينتهي المرء من سرد قائمة الشخصيات المصرية التي أثّرت في الثقافة الإماراتية، ولا كيف كانت مصر هي قاعدة انطلاق نحو كل تفاصيل الوقت آنذاك.. وهو أثرٌ ما يزال ممتداً إلى يومنا هذا.

*كاتبة إماراتية