منذ أن عبر المستوطنون الأوروبيون جبال روكي، كان الوصول للمياه العامل الرئيسي لتطور الغرب الأميركي. فالمياه تسقي المزارع، وتروي البيوت، وتشغّل الآلات. ولكن جفافاً طويلاً بدأ عام 2000 تحول إلى أجفّ 22 عاماً في الجنوب الغربي لأميركا منذ 12 قرناً، وفقاً لتحاليل لحلقات الأشجار.

دورة الجفاف هذه تأتي وسط ارتفاع سكاني في ولايات معرّضة للجفاف مثل يوتا، حيث نما سكانها بنسبة 18 في المئة إلى 3.25 مليون من 2010 إلى 2020، أي أسرع من أي ولاية أميركية أخرى، حتى قبل انتشار «موضة» العمل من البيت. تلك الهجرة أدت إلى ارتفاع أسعار قطاع العقارات، وأثارت نقاشاً في يوتا حول توافر السكن ومعقولية أسعاره بالنسبة للأسر المتوسطة. ولكن النقاشات بدأت تطغى عليها بشكل متزايد بواعثُ قلق أخرى من قبيل: هل ستكون هناك مياه كافية للجميع؟ ولمن ستكون الأولوية؟ في مدينة أوكلي بلغت هذه التخوفات أوجّها في صيف 2021.

فبسبب انخفاض مستويات المياه في صهاريج التخزين الخاصة بمكافحة حرائق الصيف، صوّتت المدينة لصالح تعليق كل عمليات ربط المنازل الجديدة بشبكة الماء. وتقول وولستنهولم، مخطِّطة المدينة في تعليقها على هذا القرار: «لقد تخطينا الخط بين القدرة على توفير الماء للمواطنين الذين يعيشون هنا واستيعاب النمو»، مضيفة: «ثم وصلنا إلى مرحلة حيث لم يعد بإمكاننا فعل ذلك».

قرار التعليق ما زال سارياً إلى أن تقوم مدينة أوكلي ببناء بئر جديدة بقيمة 3.4 مليون دولار لزيادة قدرتها الإنتاجية، وهو مشروع يمكن أن يستغرق تنفيذه عاماً أو أكثر. وفي غضون ذلك، يقوم المقاولون حالياً إما بحفر آبارهم الخاصة أو يحصلون على تصاريح لتركيب خطوط مياه وافقت المدينة على وصلها بالشبكة بعد انتهاء فترة التعليق. عبر الجنوب الغربي الأميركي العطشان، يزداد التنبؤ بكمية المياه التي ستكون متاحة للمنازل ومستخدمين آخرين صعوبة وتعقيدا بسبب تغير المناخ.

فالجفاف الذي دام 22 عاماً قد يكون دورةً تنتهي وتعود بعدها التساقطات، أو وضعاً طبيعياً جديداً يفرض اختيارات صعبة. وفي الأثناء، أصبحت التدفقات السنوية لنهر كولورادو، الذي يعتمد عيله أكثر من 40 مليون نسمة من السكان، جد بطيئة لدرجة أنه بدأ يُطلب من الولايات الغربية أن تفعل أشياء أكثر بكميات أقل من حصتها الحالية من مياه النهر.

البعض يرى أن الوقت قد حان لوقفٍ صارم للتطوير العقاري السريع. غير أن التأقلم مع مناخ يزداد جفافاً يمثّل خياراً آخر أيضاً، خيار بدأت ولاية يوتا متأخرة في تبنيه، على الرغم من أنها تظل مستهلكة كبيرة لما لديها من مياه. ويرى أصحاب هذا الرأي أنه من خلال الحفاظ على مزيد من المياه وفرض أسعار السوق على المستخدمين، تستطيع «يوتا» تدبير نموها بدون استنزاف كل مواردها المائية.

وفي هذا الصدد، يقول زكاري فرانكل، المدير التنفيذي لـ«مجلس أنهار يوتا»، وهو منظمة غير ربحية: «لدينا حوافز لإهدار الماء». والواقع أن تلك الحوافز تساعد على فهم لماذا تنتشر عبر «يوتا»، التي تُعد ثاني أجف ولاية أميركية بعد نيفادا، مساحاتٌ خضراء مزدهرة في الصيف. ذلك أن الولاية لديها أرخص أسعار للمياه على صعيد الولايات المتحدة وتُعد من بين أكثر البلديات استهلاكاً للمياه مقارنة مع عدد السكان. وفضلاً عن ذلك، فإنها تعتمد على الضرائب على الممتلكات (الضرائب العقارية) للمساعدة على تمويل المرافق والمنشآت العامة التابعة للبلدية، الأمر الذي يمنح المدارس والكنائس ومؤسسات أخرى معفية من الضرائب عملياً سلعة مجانية. ولوضع حد لذلك، اقترح مشرِّع «جمهوري» مؤخراً مشروع قانون خاص بالضرائب من شأنه إزالة المياه من الضرائب على الممتلكات وجعل كل المستخدمين يدفعون ثمن المياه التي يستهلكونها.

وتذهب حوالي 70 في المئة من المياه في مدن «يوتا» وبلداتها لري مساحات خضراء غير ضرورية، من قبيل الأشرطة العشبية الممتدة على طول الأرصفة وعشب التجميل، والتي لا يستخدمها أحد في النزهات أو لعب كرة.

ويقول فرانكل الذي يدعم مشروع قانون الضرائب المقترح: «لدينا ذاك العشب لأن لدينا أرخص مياه في البلاد». وقبل أن تعلِّق أوكلي ربط المنازل والمشاريع السكنية الجديدة بشبكة المياه التابعة للبلدية، كانت المدينة قد شرعت منذ مدة في فرض قيود على استخدام المياه في الهواء الطلق من قبل السكان.

وحين ينتهي التعليق، تفكر المدينة في تغيير جديد بحيث ترفع الأسعار بشكل حاد بالنسبة للمستهلكين الكبار، وهو ما لا يتم حالياً. 

* كاتب أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»