على الرغم من بلوغ الإنسان تقدماً مهماً في حقول العلوم والمعرفة، إلا أن معارفه لا تزال محدودة بالمقارنة مع ما يحدث في العالم من كوارث طبيعية لا يزال التنبؤ عن توقيت حدوثها صعباً، وحتى اليوم لم تنجح جهود العلماء والباحثين المتخصصين في معرفة ذلك لتجنيب الناس مآسي الموت والتشرد. صحيح أنهم يتوقعون حدوثه بناءً على النشاط الزلزالي الذي شهدته مناطق عديدة في العالم عبر التاريخ، إلا أنهم لا يعرفون متى بالضبط يمكن أن يكون ذلك.
توقع خبراء الزلازل حدوث الزلزال الأخير الذي ضرب 10 ولايات في جنوب شرق تركيا ومناطق واسعة من شمال سوريا لأن تركيا على وجه التحديد واقعة عند تقاطع صفيحة شرق الأناضول مع الصفيحة العربية والأخدود الأفريقي العظيم، وبقي توقيت حدوثه طي المجهول، ولهذا عندما وقعت الكارثة تسبّبت في مقتل عشرات آلاف الضحايا والذين لم تُعرف حصيلة عددهم النهائي نظراً لاستمرار عمليات انتشال الجثث من بين الأنقاض، وعشرات آلاف الجرحى، عدا عن تشريد الملايين في البلدين، سوريا وتركيا المنكوبتين، ولا تزال الحصيلة النهائية للخسائر البشرية والمادية غير معروفة، والتي لن يتم التمكن من حصرها بدقة كما الحال في كل الأزمات.
ثوانٍ معدودة كانت كفيلة بتدمير آلاف المباني على رؤوس ساكنيها، وأحاديث الناجين وحدها يمكن أن تضعنا بصورة الأهوال التي شهدوها. وفرق الإنقاذ التي تتالى حضورها إلى تركيا بالتحديد من عشرات الدول لا تزال تعمل، ولديها أمل بإخراج أحياء من تحت الأنقاض وإن كان الأمل ضعيفاً بعد مرور عشرة أيام على الكارثة، حيث (لم يبق هناك شيء) كما كتبت صحيفة الغارديان البريطانية.
على وجه السرعة اتحد العالم وتحركت الدول على الرغم من الصدوع والشروخ السياسية التي فرّقت بين القادة.
وكثيرة هي الدول التي سارعت لنجدة المتضررين من الزلزال الكبير في كل من سوريا وتركيا، ومن بينها الإمارات التي تحركت بشكل عاجل للقيام بدورها الإنساني لإعادة إحياء الأمل للناجين، والذين فقد أغلبيتهم عدداً من أفراد أسرهم إنْ لم نقل كلهم، هذا عن فقدان مساكنهم. ولا شك أن الجهود الدولية ستتمكن من إعادة بناء المناطق المنكوبة، لكنها بالتأكيد لن تتمكن من تخفيف الآلام التي أصابتهم والشروخ التي حفرت عميقاً في أرواحهم وذاكرتهم.
ولأن البشر في أغلبيتهم قادرون على تجاوز مصائبهم، سوف يعيدون بناء ما تهدّم، ويرممون الشروخ التي أحدثتها خساراتهم لأحبتهم، فإرادة الحياة أقوى عند الإنسان وأرسخ، ونسيان نوائب الدهر نعمة مهمة في حياة البشر، وهو ما يساعد على التعايش على الرغم من التعرض للمآسي والحروب والمجازر كذلك، لكن كل ذلك يُختزن في الذاكرة الجمعية وفي أعماق النفس البشرية، ويستمر الإنسان في حياته.
عشرات آلاف القصص التي يرويها وسيرويها شهود العيان على الزلزال التي جاء بمثابة صفعة على وجه كل صاحب ضمير حي، وملايين التفاصيل التي ستُعاد وستُكتب يوماً ليس لتخلّد ذكرى حدث أليم ومفجع فقط، إنما لتذكر لحظات عظيمة، كأن يولد طفل بينما أمه تحتضر، وطفلة صغيرة تحمي رأس شقيقها الرضيع بذراعيها، وأسرة بأكملها خرج كل أفرادها أحياء من دون أن يصاب أي واحد منهم بأذى، وأم انتظرت أمام بناءٍ إلى أن أخرج رجال الإنقاذ وحيدها من تحت الأنقاض. كثيرة هي القصص التي تحيي القلوب، مثلما هي كثيرة القصص التي تدمي الأفئدة. وفي مثل هذه الأحداث ليس لنا إلا بذل أقصى الجهد لإغاثة الناس وتقديم كل العون. وستكون قلوبنا مع أسر الضحايا وخصوصاً أولئك الذين تشردوا مرتين.