حين كان مايكل هاتفيلد يتأمل المناظر الطبيعية من أعلى منجم مهجور حيث كان يعمل ذات يوم، لم ير منطقة هجرها اقتصاد الطاقة في مرحلة انتقالية، بل رأى منصة انطلاق للعصر النووي التالي. ومحطات الطاقة النووية التي يفكر فيها هاتفيلد ليست كما تعتقد.

لا أبراج تبريد ضخمة، وكميات هائلة من الخرسانة، ولا مناطق إخلاء شاسعة. وتحاول الصناعة النووية وإدارة بايدن إقناع مناطق إنتاج الفحم بإقامة محطات صغيرة قابلة للتكيف يتباهى المبشرون بها بأنها أكثر أمانا وأقل كلفة وقادرة على الانتشار في جميع أنحاء البلاد في محاولة لخفض مساهمة قطاع الطاقة في تغير المناخ. لكن هناك خلاف بشأن مدى القدرة على إقامة نموذج المفاعلات الصغيرة فعليا في جميع أنحاء البلاد.. وهناك مشروعان أوليان من المتوقع أن يجري تدشينهما، في أيداهو ووايومنج، في وقت متأخر عن جدولهما الزمني ويجدان صعوبة في تحمل ارتفاع الكلفة.

لكن في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة إلى إيجاد بدائل فعالة لحرق الوقود الأحفوري من أجل الكهرباء، ويتجلى أمامنا هذه المقترحات الخاصة بمحطات عصر الفضاء التي يمكن أن تكون صغيرة بما يكفي لتلائم فناء خلفي كبير. وهذه المحطات ذات بناء هندسي منخفض الارتفاع تحل محل الخرسانة المسلحة، ومفاعلات صغيرة الحجم تقارنها الإدارة بتلك التي تستخدمها البحرية الأميركية لتشغيل السفن والغواصات. ومنطقة إنتاج الفحم تمثل هدفا سانحاً لهذه التجربة، بما يتوافر لها من بنية تحتية يمكن إعادة تكييفها، وقوى عاملة ومجتمعات حريصة على استعادة مكانتها البارزة في اقتصاد الطاقة.

ووجود أكثر من 300 محطة فحم مهجورة وأخرى تعمل في الولايات المتحدة تعتبر مرشحاً جيداً للتحول النووي، وفقا لتقرير حديث لوزارة الطاقة أدى إلى نوبة من النشاط. والمجتمعات التي رفضت سابقاً الطاقة النووية باعتبارها تهديدا لصناعة الفحم تطالب الآن بأن تكون جزءاً مما يمكن وصفه بأنه الإصدار النووي 2.0. وفي يناير الماضي، قام الملياردير بيل جيتس، وهو مؤسس شركة نووية متطورة تدعى «تيراباور»، بجولة في محطة طاقة تعمل بالفحم بالقرب من جلاسكو، بولاية فيرجينيا. ولقي «جيتس» حفاوة شديدة في مقر بلدية المدينة بعد زيارة المحطة.

وأشار «جيتس» إلى أن الطريقة التي تم بها بناء المحطات النووية كانت باهظة الثمن للغاية و«ما لم نبدأ من الصفر بتصميم جديد، لن نتمكن من الحصول على كهرباء منخفضة الكلفة». وقبل عام واحد فقط تم حظر الطاقة النووية في ولاية ويست فرجينيا، بموجب قانون للولاية استهدف حماية صناعة الفحم. والولاية من بين ولايات كثيرة رفعت مثل هذا الحظر أو أقرت قانوناً يشجع على تطوير مفاعلات نووية صغيرة في السنوات القليلة الماضية.

ويرى قادة سياسيون فرصا لتعزيز الاقتصادات الإقليمية والحصول على جزء من مليارات الدولارات من الإعانات لتوليد طاقة «نووية متقدمة» من خلال قانون الحد من التضخم الذي أقر في الآونة الأخيرة. ومازالت هذه المفاعلات قيد التنفيذ إلى حد كبير، حيث تسعى شركات كثيرة لانتاج واختبار عشرات التصاميم على أمل تحقيق انفراجة. وتعتمد بعض التصاميم على تقنية مفاعل الماء الخفيف التي تشغل المحطات النووية القديمة، بينما يسلك البعض الآخر دروباً مختلفة تماماً. وقد تستخدم تيراباور «المفاعلات السريعة»، التي يجري تبريدها بالصوديوم وليس الماء، مما قد يمكنها من العمل بكفاءة وأمان أكبر من المحطات الحالية. وتستخدم التصميمات الأخرى الهيليوم كمبرد.

وأحد التحديات البارزة في جميع التصاميم يتمثل في النفايات النووية. ويتعهد مصممو المحطات الصغيرة بأن كل منشأة ستنتج كماً صغيراً من هذه المخلفات فحسب، مما يتطلب مناطق إخلاء أكثر تواضعا. لكن نثر مئات المحطات في جميع أنحاء البلاد يعني أن كل مجتمع يعيش فيه سيحتاج إلى الشعور بالراحة تجاه بعض كميات الوقود المستهلك في ساحاته الخلفية، ويطعن بعض الباحثين البارزين في الإدعاءات بأن هذه المفاعلات الجديدة تنتج نفايات أقل. ويأمل المطورون في أن تكون تصاميم المحطات التي تحافظ على كل الوقود المستهلك الموجود في المفاعل والذي يبقى ثابتا لعدة سنوات- حتى عقود- قبل أن يتم نقله في النهاية أمرا مستساغا للتجمعات السكنية.

وفرجينيا هي من بين ثماني ولايات على الأقل تسعى لإنشاء مفاعل صغير. ودشنت ثمانية أخرى على الأقل دراسات جدوى، وفقا لمسؤولي طاقة اتحاديين. ويشمل ذلك ولاية ماريلاند، حيث دخلت شركة ابتكارات في مجال الطاقة النووية تسمى إكس-إنيرجي في الآونة الأخيرة في شراكة مع الولاية وجامعة فروستبيرج ستيت لإظهار كيف يمكن إعادة استخدام إحدى محطات الفحم في ولاية ماريلاند لاستخدامها في الطاقة النووية. وبعض الأماكن تعيد النظر بالفعل فيما إذا كانت التكنولوجيا ترقى إلى مستوى يجعلها جديرة بأن تصبح موضعاً للنقاش.

وكان مجلس المفوضين في مقاطعة بويبلو بولاية كولورادو في البداية مؤيداً بالكامل. فقد ذكرت الجهات التنظيمية بالولاية أن المحطة النووية الصغيرة هي الخيار الوحيد لانبعاثات صفرية تولد كهرباء ونشاطا اقتصادياً يحل محل ذاك الذي صنعته محطة توليد كومانتش، وهي محطة فحم ضخمة مقرر إغلاقها عام 2030. وبعد رد فعل شعبي عنيف، تخلى المشرفون عن الخطة.

وكان المشروع النووي النموذجي التجريبي الجاري تنفيذه في مختبر أيداهو الوطني مثيرا للاهتمام لعشاق الطاقة النووية. ويعمل المطور نيوسكيل باور، على إنشاء محطة تستهدف توفير الكهرباء لعشرات الآلاف من المنازل التي تخدمها 27 شركة طاقة محلية في جميع أنحاء الغرب.

وتوقعت التجمعات السكانية التي وقعت على الاتفاقية شراء الكهرباء مقابل 58 دولارا لكل ميجاوات/ساعة، وهو السعر المنصوص عليه في الاتفاقية الأولية. لكن بحلول الوقت الذي وافقت فيه لجنة التنظيم النووي الشهر الماضي على تصميم المحطة- وهي أول موافقة من نوعها في الولايات المتحدة - ارتفعت الكلفة المتوقعة للطاقة بأكثر من 50 بالمئة. وانسحبت بعض المجتمعات، والبعض الآخر يخشى أن ترتفع الكلفة أكثر بحلول الوقت الذي يبدأ فيه تشغيل المحطة المقرر في ديسمبر 2029. وكلفة الطاقة سترتفع ما لم تتلق المحطة دعما كبيرا من الحكومة الاتحادية التي خصصت بالفعل 1.4 مليار دولار لتطويرها وستعوض كلفة الكهرباء التي تنتجها بنحو 30 دولارا لكل ميجاوات/ساعة، مما قد يكلف دافعي الضرائب الأمريكيين ملياري دولار أخرى.

ويواجه المشروع الذي يدعمه جيتس في ولاية وايومينج، تحدياته الخاصة. فالمحطة تحتاج نوعاً عالي التخصيب من اليورانيوم الذي خططت شركة تيراباور للحصول عليه في البداية من روسيا. وانهارت هذه الخطة مع الحرب الروسية الأوكرانية وما نجم عنها من عقوبات. وأعلنت الشركة في ديسمبر الماضي أنها أرجأت الموعد المستهدف لافتتاح المحطة لمدة عامين.

وهي تضغط الآن على الكونجرس لتخصيص 2.1 مليار دولار لدعم المنشآت التي يمكن أن تنتج مثل هذا اليورانيوم في الولايات المتحدة. ويأتي الطلب بعد أن خصصت الحكومة الاتحادية بالفعل 1.6 مليار دولار لبناء المحطة في وايومنج.

إيفان هالبر*

*صحفي متخصص في شؤون الطاقة.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينديكيشن»