تحت قيادة الرئيس شي جين بينغ، أوضحت الصينُ عزمَها على إعادة تأكيد دورها التاريخي كقوة عالمية وتحدي الهيمنة السائدة للأيديولوجيا والمؤسسات الغربية التي كانت قائمة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وفي ظل الإنفاق المالي الهائل على قواتها العسكرية، تستطيع الصين حمايةَ حدودها البرية الضخمة وسواحلها البحرية. كما أنها الآن قادرة على إبراز قوتها في شرق آسيا ومواجهة التفوق الغربي السائد هناك.

ولتعزيز طموحاتها، فقد وطدت الصين علاقاتٍ جيدةً مع روسيا، وواصلت دعمَها لكوريا الشمالية، وسعت إلى إبرام اتفاقيات تجارية والتواصل مع دول كثيرة في جنوب شرق وجنوب غرب آسيا وعموم أفريقيا والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية. وقد تسارعت وتيرةُ هذا التواصل الاستراتيجي خلال العقد الماضي، ولم تظهر أي بوادر للتوقف. ومع ذلك، فإن الحرب المستمرة في أوكرانيا تشكلُ مخاطرَ على دور الصين الناشئ كقوة عالمية.

وإذا هُزمت أوكرانيا بسرعة بعد العملية العسكرية الروسية التي بدأت هناك في 24 فبراير 2022، كما توقع الرئيس بوتين، فلن تشعر الصين بالقلق كثيراً. لكن مقاومة أوكرانيا والاستجابة الموحدة للغرب والمأزق المعقَّد في ساحة المعركة.. كلها حقائق يجب التعامل معها الآن وهي تقرر كيفية الرد.

إذا قررت الصينُ لعب دور أكثر حياديةً تجاه الصراع واستخدام نفوذها الدبلوماسي للمساعدة في التوسط لوضع نهاية مرضية للأعمال العدائية، فقد تعزز سمعتَها كلاعب دولي قوي وبنّاء. ويمكن أن تكون هذه النتيجة ذات فائدة كبيرة لأهدافها الاقتصادية التي تأثرت على نحو ما بسبب جائحة «كوفيد-19» وما ترتب عليها من إغلاق صحي صارم كان له تأثير سلبي على معدل النمو الاقتصادي.

لكن تبني مثل هذا الموقف سيعني دائماً رفضَ المطالبات الروسية بمزيد من المساعدة الخاصة بالأسلحة الفتاكة. ومن ناحية أخرى، فإن القرار الصيني بتزويد روسيا بالمدفعية والذخيرة والطائرات من دون طيار.. سيزيد من احتمالية تسريع الغرب، كمياً ونوعياً، عمليات تزويده أوكرانيا بالأسلحة ونقلها إليها بمعدلات أكبرَ وأنشطَ وتيرةً. سيكون من الأسهل من الناحية السياسية على الولايات المتحدة تقديم طائرات إف-16 وربما نظام الصواريخ التكتيكية طويلة المدى المتوافرة لدى الجيش الأميركي («أتاكمز» ATACMS) الذي يمكنه توصيل الصواريخ بدقة كبيرة تصل إلى 300 كيلومتر.

وبالمقارنة، فإن نظام صواريخ هيمارس الأميركي الذي تم توريده بالفعل إلى أوكرانيا، والذي حقق نجاحاً ملحوظاً، يتراوح مداه بين 70 و80 كيلومتراً.

بالإضافة إلى المزيد من الدبابات وناقلات الجند المدرعة، هناك طائرات مسيّرة بعيدة المدى وسفن بحرية أكثر تطوراً تمكن إضافتها إلى الترسانة الأوكرانية. ومن المحتمل أن يؤدي تصعيد إمدادات الأسلحة إلى كل من روسيا وأوكرانيا إلى إنهاءٍ أسرع للحرب، لكنه قد يؤدي أيضاً إلى صراع طويل الأمد مع عدم قدرة أي من الطرفين على تحقيق الانتصار العسكري الذي سيجبر أحد الطرفين على الاستسلام.

وفي آسيا، كلما توترت العلاقاتُ بين الصين والغرب، زادت فرص زيادة الدعم الغربي لتايوان. وسيشمل ذلك توفير المزيد من الأسلحة لحماية الجزيرة من عملية عسكرية صينية محتملة لاستعادة الجزيرة. وفي حين أن الصين ستتمتع في النهاية بالقدرة على دخول تايوان أو محاصرتها لإضعافها اقتصادياً، فإن التكاليف التي تتحملها بكين ستكون باهظةً، وستؤدي بالتأكيد إلى زيادة المشاعر المعادية لدى جيران الصين.

وسيشمل ذلك زيادة مخاطر الانتشار النووي، وهو تطور لا يخدم المصالح الاستراتيجية الإقليمية. وعلى الجانب الآخر، ستواصل الهندُ تحديثَ وتوسيعَ قوتها النووية. وهناك مخاوف متزايدة من أن كوريا الجنوبية ستعيد النظر في خياراتها، خاصة على ضوء التجارب الصاروخية العديدة التي أجرتها كوريا الشمالية وما يُعتَقد أنها تخطط له من تجارب نووية متوقعة.

وسيتمثل أخطر تطور في احتمال أن تعيد اليابان النظر في سياستها غير النووية، إذ أن طوكيو لديها التكنولوجيا لتطوير أسلحة نووية في إطار زمني قصير، وستكون هذه أنباء سيئة للجميع، بما فيهم الصين بالطبع.

*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشونال انترست» -واشنطن