جميعنا نرغب في تقليص انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، ولا أحد تقريباً متحمس لهذه الغاية قدر تحمس الاتحاد الأوروبي، وفي مقدمته ألمانيا، إذ يهدف الاتحاد الأوروبي إلى تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، وألمانيا بحلول عام 2045. 
وبالتالي، يمكنك أن تتخيل حجمَ الإحراج: ألمانيا تعرقل سياسات الاتحاد الأوروبي الرامية إلى المساعدة على بلوغ هذه الأهداف المناخية. وألمانيا تضع مصالحها الاقتصادية مرة أخرى فوق مسؤوليتها في القيادة. 
لكن الجدل يتعلق بمحركات الاحتراق في السيارات، وهناك بعض الحيثيات والتفاصيل الدقيقة التي قد تضيع بسهولة. الاتحاد الأوروبي، أي برلمان الاتحاد ومفوضيته، وبعد عامين من المفاوضات العسيرة مع الدول الأعضاء، وافق العامَ الماضي على حظر بيع السيارات ذات المحركات التي تحرق المحروقات وتلفظ ثاني أوكسيد الكربون، وذلك اعتباراً من عام 2035. هذا الاتفاق كان يفترض أن يكتمل هذا الشهر. لكن ألمانيا، وعلى نحو غير متوقع، حالت دون ذلك، وطالبت بأن يقتصر الحظرُ على المحركات التي تحرق الغازولين أو الديزل، مع استثناء المحركات التي تشتغل بالوقود الكهربائي الاصطناعي. 
ومن الناحية النظرية على الأقل، يحقق هذا النوعُ من الوقود الكهربائي الحيادَ الكربوني، فباستخدام الطاقة المتجددة فقط، يتم فصل الهيدروجين عن الماء، ثم يتم سحب الكربون من الهواء وخلطه مع الهيدروجين للحصول على جزيئات تكون الغازولين. وعندما تحرق السيارة هذا الوقود، ينبعث منها ثاني أوكسيد الكربون، لكن فقط بالقدر الذي تم سحبه من الهواء سابقاً. 
ومع ذلك، فإن الكثير من خبراء المناخ وصنّاع السياسات يعتبرون الوقود الكهربائي مجرد ابتكار زائف لأسباب من بينها حقيقة أن هذه التكنولوجيا تُعد بكل تأكيد أقل كفاءةً وفعاليةً من الخيار الأفضل المتمثل في السيارات الكهربائية التي تشتغل بالبطاريات. 
لكن لماذا ضغط الألمانُ فجأةً من أجل استثناء هذه التكنولوجيا غير المهمة؟ أحد الأسباب هو أن صنّاع السيارات الألمانية ومكوناتها يشكّلون أهم قطاعٍ في البلاد، وعددٌ من أبرز الماركات مثل «فولكسفاجن» و«بورشه» تعتمد على الوقود الكهربائي. ومن العوامل التي ساهت في اتخاذ هذا القرار أيضاً المشهدُ السياسي الداخلي في ألمانيا. فحكومة المستشار أولاف شولتز تتألف من ثلاثة أحزاب هي حزبه («الديمقراطيون الاجتماعيون») و«الخضر» البيئيون و«الديمقراطيون الأحرار» المناصرون للتجارة والأعمال. هذه الأحزاب لا تتفق مع بعضها البعض في كثير من الأوقات، لكن «الديمقراطيين الأحرار» بشكل خاص كانوا في مزاج سيئ مؤخراً، إذ تعرضوا للهزيمة في انتخابات محلية ويحتاجون إلى موضوع عاطفي ومثير للجدل لبث الحماس في قاعدتهم التي تضم مديري شركات صناعة السيارات وأصدقاء «بورشه» (زعيم «الديمقراطيين الأحرار» يملك نصيباً منها). وهكذا، قد يبدو كما لو أن ألمانيا كبلد تتصرف كمشاكس في بروكسيل، والحال أن الأمر يتعلق بـ«الديمقراطيين الأحرار» فقط. 
للوهلة الأولى يبدو الأمرُ سيئاً: ألمانيٌ من حزب «الديمقراطيين الأحرار»، هو وزير النقل فولكر فيسينج، يريد دعمَ الوقود الكهربائي من أجل مساعدة حزبه وشركات صناعة السيارات في بلده، على حساب تحقيق الاتحاد الأوروبي هدفاً عظيماً. وبذلك، تُظهر برلين مرةً أخرى أنها لن تضع أبداً مصالحَ الكتلة، أو حتى مصالح الكوكب، فوق مصالحها. ولا شك أن أعضاءَ آخرين في الاتحاد الأوروبي يمكن أن يحذوا حذوها ويجعلوا الاتحاد الأوروبي رهينةً لتفضيلاتهم الشخصية.
لكن لنستمع إلى ما يقوله فيسينج، والذي تتمثل فكرتُه في أنه ينبغي على الاتحاد الأوروبي أن يبقى مركِّزاً على الهدف، أي الحياد المناخي، مع عدم الالتزام برأي أو موقف معين بشأن التكنولوجيات التي ستستخدمها السوقُ للوصول إلى ذلك الهدف، إذ يقول: دعونا نجعل السيارات نظيفةً بموجب القانون، لكن لندعْ القطاعَ الخاصَ والزبائنَ والعملاء يحددون كيف يكون ذلك. 
وهذه في الواقع نسخة أخف مما كان يوصي به معظم الاقتصاديين، والليبراليون الكلاسيكيون مثلي، طوال الوقت. فإذا كنتَ تريد أن يتسبب الناسُ في انبعاثات أقلَّ من الكربون، فإن أفضل حل هو جعل تلك المادة باهظةً جداً، من خلال ضريبة كربون أو «حد أقصى وإمكانية التبادل»، لدرجة أن لا أحد سيرغب في صنع سيارة تستهلك الوقودَ بشراهة أو في شرائها وقيادتها. وفي هذه الحالة، لن تكون هناك حاجة لحظر أي شيء. والحقيقة أن الاتحاد الأوروبي لديه في الواقع نظام لتحديد سعر الكربون، لكنه ما فتئ يعمل على إضعافه. 
وبدلاً من ذلك، أخذ الاتحاد يلجأ على نحو متزايد إلى الحظر، بما في ذلك هذا الحظر. غير أنه إذا كان ذلك هو المسار الذي تم اختياره، فإن الشيء المحظور ينبغي على الأقل أن يكون هو النتيجة غير المرغوب فيها، أي صافي انبعاثات الكربون بدلاً من أي تكنولوجيا معينة. 
والواقع أن عدم الالتزام برأي أو موقف من هذا الموضوع يبدو معقولاً ومنطقياً من الناحية العملية أيضاً. وعلى سبيل المثال، فإنه قد يتبين أن كل السيارات التي على الطريق مثلاً كهربائية، لكن بعضها ما زالت تشتغل بالوقود الكهربائي. في هذه الحالة، يمكن لسلاسل التوريد الخاصة بهذه الأخيرة تحويل الوقود الكهربائي إلى البلدان الفقيرة التي لا تستطيع كهربة أساطيلها من السيارات بعد، لأنها لا تستطيع تحمل كلفة البنية التحتية الخاصة بالشحن، مثلاً. وبالتالي، فإن إجمالي الانبعاثات الكربونية يمكن أن يتقلص بشكل أسرع إذا بقي الوقود الكهربائي واستمر كخيار. 
الآن يبدو أن النتيجة الأرجح هي أنه بعد عامين من المفاوضات ستتحدث بلدان الاتحاد الأوروبي الـ27، ولأسبوعين آخرين، ثم تسنّ سياسةً خضعت لتعديلات وربما تحسينات. فهل يُعد هذا فشلاً ودليلاً على الانقسام والخلل الأوروبيين؟ بالنسبة لي شخصياً، يبدو الأمر أشبه بعملية تداول وتفاوض تجري كما يفترض بها أن تجري. وفي تلك الحالة، لا شك في أن قرار ألمانيا يستحق هذه المرة على الأقل الإشادة والاستحسان. 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سيندكيشن»