يشعر رواد أعمال العملات الافتراضية حالياً بالضغط في الولايات المتحدة عقب الانهيار المذهل لمنصة تداول العملات المشفرة «إف تي إكس»، وإغلاق عدد من البنوك الصديقة للعملات المشفرة، والدعوى القضائية التي رفعتها هيئة رقابة ضد «باينانس» والتي تهدد بأن تطال العديد من شركات التداول.

غير أن جواً مختلفاً يسود في أوروبا، وخاصة فرنسا، حيث من المرجح أن يُستقبل رواد الأعمال في قطاعي التكنولوجيا والعملات الافتراضية بترحاب ويعاملوا معاملة تفضيلية. جيريمي ألير، المؤسس المشارك لشركة «سركل» التي تُصدر العملة الرقمية المستقرة، واحد منهم. في كلمة له على هامش «أسبوع البلوكتشين في باريس» في المحيط البديع لـ«بافيون فاندوم»، وصف ألير التحولات العالمية في الرقابة على العملات الافتراضية باعتبارها «لعبة عروش تنظيمية» – حيث يفوز المرء أو يموت. شركته، التي لعبت دوراً مهماً في أزمة «بنك سيليكون فالي» حينما حاولت سحب مبلغ 3.3 مليار دولار، قررت زيادة الرهان على أوروبا من خلال التقدم بطلبات الحصول على عدة تراخيص في فرنسا – البلد «المتطلع إلى الابتكار»، كما يقول ألير، مرتدياً بذلة وربطة عنق صديقة للهيئة الرقابية.

باريس ليست الوحيدة في التنافس على أن تصبح مركزاً للعملات الافتراضية – فقد كان ألير في لندن مؤخراً - ولكن خطاب إدارة إيمانويل ماكرون ينسجم مع رأيها من أن العملات الافتراضية تمثّل جزءاً من تنافس أكبر على جذب الأعمال. وضمن فعالية حول البلوكتشين نُظمت مؤخراً وقمتُ بإدارتها في لندن، أثنى المسؤولون الفرنسيون على إصلاحات سوق العمل، وخفض الضرائب، وقطاع مصرفي أكبر في مرحلة ما بعد بريكسيت... باعتبارها حوافز لإقامة فرع في فرنسا، حيث تسجلت نحو 50 شركة أصول رقمية لدى الجهة الرقابية، وحيث ما زالت شركات محلية رائدة مثل «كيرينج إس إيه» تنخرط في «الميتافرس».

كما تأمل باريس جذب المبرمجين والمهارات التقنية ذات الصلة بكل أنواع الاضطرابات الرقمية الممكنة. وفي هذا الصدد، سمحت قواعد جديدة بترسيخ الثقة في قدرة الاتحاد الأوروبي على التقليل من مخاطر العملات الافتراضية التي رآها للجميع. كما سيدخل الإطارُ الإشرافي للأصول الرقمية التابع للاتحاد الأوروبي، والمسمى «ميكا»، حيز التنفيذ في 2024 وسيغطي عدة رموز مثل العملات المشفرة الثابتة، ولهذا السبب تحرص «سركل» أيضاً على تنمية عملتها الجديدة المدعومة باليورو.

وكانت الجهة التنظيمية للأسواق الفرنسية «إيه إم إف» أعلنت في يناير أنها منفتحة على الابتكار، ولكنها شددت في الوقت نفسه على ضرورة أن يختار عالم العملات المشفرة طريق التقنين والتنظيم. الخطر يتعلق بالثقة المفرطة – ورد فعل سلبي في حال نحت الأمور منحى سيئاً. فمنذ انهيار «إف تي إكس» الدراماتيكي، أدت الضغوط الممارسة على المشرعين الفرنسيين المتوترين إلى إشراف أكثر حزماً على تطبيق «سوراري» الرياضي وعملية تسجيل أكثر صرامة لشركات الأصول الرقمية قبل دخول «ميكا» حيز التنفيذ.

وكان هذا قبل الدعوى القضائية التي رفعتها لجنة تداول العقود الآجلة للسلع الأميركية ضد «باينانس»، بدعوى أن البورصة تنتهك قواعد المشتقات المالية بشكل روتيني. وفي هذا الإطار، قال السيناتور إيرفي موري، الذي دعا إلى اتباع قواعد أكثر صرامة: «أن تكون جاذباً للأعمال ليس أهم شيء... ذلك أن المستثمرين في حاجة إلى أقصى درجات الأمان». ما يحدث في الولايات المتحدة سيستمر في التأثير على ما يحدث في أوروبا وفرنسا، حيث لا توجد أغلبية برلمانية وحيث إن فضيحة مصرفية أو مالية أخرى هي آخر شيء يحتاجه ماكرون. وفي الأثناء، يتوخى مشروعو الاتحاد الأوروبي الحذر، حيث انتقل التركيز إلى مخاطر غسل الأموال في «إن إف تي» (الرموز غير القابلة للاستبدال). واللافت أن شركات العملات المشفرة باتت تتحدث اليوم عن أساسيات البقاء أكثر – مثل إيجاد بنوك تقبلها كزبائن. ويقول فرانسوا جوزيف شيشان من «فلينت غلوبال»: «إن البيئة أقل استقراراً مما كانت عليه قبل عام». وبالنسبة لأمثال ألير من شركة «سركل»، يُعد كل هذا جزءاً من رحلة نحو قبول رموز مثل الدولار الرقمي الرموز الوكيلة لليورو، التي تقترحها شركته. ولا شك أن ختم الموافقة من مؤسسات الدولة يمكن أن يكون خطوة نحو إنهاء حالة الفوضى التي تعم عالم العملات المشفرة: إذ تقدّر مؤسسة «سيتي غروب» أن البنوك المركزية يمكن أن تُصدر بحلول 2030 خمسة تريليونات دولار من عملاتها الرقمية المتداولة. وربما يتعلق الأمر بمجازفة بالنسبة لباريس. غير أنه في وقت يكافح فيه المحتجون الغاضبون ما يعتبرونه انعداماً للمساواة في إصلاح نظام التقاعد من فوق، ومع انجراف الفرنسيين مع الطفرة العالمية للمراهنات الرياضية، فإن حتى الزعماء المتفائلين إزاء التقنية مثل ماكرون سيكونون واعين جداً بمخاطر السياسة التي يبدو أنها تفضل المحظوظين وأصحاب الامتيازات الذين في القمة على من هم في الأسفل - بما في ذلك مخاطر حدوث أزمة مصرفية غير متوقعة سببها العملات الرقمية. *كاتب فرنسي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»