•     قال ابن المقفّع: «عَوِّد نَفسَكَ الصَبرَ على مَن خَالَفَكَ مِن ذَوِي النصيحة، والتَجَرُّعَ لمرارة قولهم وعَذلِهِم، ولا تُسَهِّلَن سَبِيلَ ذَلِكَ إِلا لأَهلِ الفَضلِ، والعَقلِ، والسِّنِّ، والمُرُوءَةِ فِي سِترٍ، لِئَلا يَنتَشِرَ من ذلك ما يَجتَرِئُ بِه سَفِيْهٌ، أو يَستَخِفَّ بِه شَانِئ. واعلم أن رأيَكَ لا يَتَّسِعُ لِكُلِ شيءٍ، ففَرِّغهُ لِمُهِمِّ ما يعنيكَ، وأن مَالكَ لا يَتَّسِعُ للناسِ فاخْصُصْ به أهل الحق، وأنَّ كَرَامَتُكَ لا تُطِيقُ العَامَّةَ فَتَوَخَّ بها أهل الفضل، وأن لَيلك ونهارك لا يستوعبان حاجاتكَ، وإن دأبتَ فيهما، فأحسِن قِسمَتَهُمَا، بين عملك ودَعَتِكَ. واعلم أن ما شغلتَ من رَأيِكَ بِغَيرِ المِهِمِّ أَزرى بِكَ، وما صرفت من مالكَ في الباطل، فقدته حين تريده للحقّ، وما عدلت به من كرامتك إلى أهل النقص، أضرَّ بك في العَجزِ عن أهلِ الفَضلِ».

•    أوصى هشام بن عبد الملك سليمان الكلبيّ، لما اتخذه مُؤَدِّبَاً لولده، فقال: إنّ ابني هذا هو جلدة ما بين عينيّ، وقد ولّيتكَ تأديبه فعليك بتقوى اللّه، وأداء الأمانة فيه، بخلالٍ أوّلها: أنكَ مُؤتَمَنٌ عليه، والثانية: أنا إمامٌ ترجوني وتخافني، والثالثة: كُلّمَا ارتقَى الغُلامُ في الأمور درجةً، ارتقيتَ معه. وفي هذه الخلال ما يرغبك في ما أوصيك به. إنّ أول ما آمُرُكَ بِه، أن تأخذه بكتاب اللّه وتقرئه في كل يوم عُشرَاً يحفظه حفظَ رجلٍ يريدُ التَكَسُبَ به، ثُمّ رَوِّهِ من الشَعرِ أَحسَنَه. ثم تخلّل به في أحياء العرب، فخُذ من صالِحَ شِعرِهِم هجاءَ ومديحاً، وبَصِّرهُ طَرَفَاً مِن الحَلالِ والحَرَامِ، والخُطَبِ والمغازي، ثم أجلسه كُلَّ يومٍ للنّاسِ ليَتَذَكَّر.

•    وقال عتبة بن أبي سفيان لمؤدب ولده: ليكن أوّل إِصلاحِكَ لولدي إصلاحُ نفسِكَ، فإنّ عُيُونَهُم مَعقُودَةٌ بِعَينِك، فالحَسَنُ عندهم ما استحسنتَه، والقبيحُ ما استقبَحتَهُ. عَلِّمهُم كتابَ اللّهِ، ورَوِّهِم من الحديثِ أشرفه، ومن الشِّعرِ أَعَفَّهُ، ولا تُكرِّهُهُم على علمٍ فيَمَلُّوه، ولا تدعهم فيهجروه، ولا تخرجهم من علمٍ إلى علمٍ، حتى يحكموه، فازدحامُ العِلم في السَّمع مَضَلَّةٌ للفِهم. وعَلِّمهُم سِيَرَ الحُكماء، وهَدِّدهُم، وأَدِّبهم دوني، ولا تتكل على كفاية منك، واستزدني بتأثيرك أزدك إن شاء اللّه تعالى.

•    وضرب أبو مريم، مؤدّب الأمين والمأمون، الأمينَ بعودٍ فخدش ذراعه، فدعاه الرشيد إلى الطعام، فتعمّد أن حسر عن ذراعه، فرآه الرشيد. فسأله، فقال: ضربني أبو مريم، فبعث إليه ودعاه، قال: فخفتُ، فلما حضرت، قال: يا غُلام وَضِّئه، فسكنت، وجلستُ آكل، فقال: ما بالُ محمد (الأمين) شَكَوكَ؟ فقلتُ: قد غلبني خُبثاً وعرامة (أي شِدَّة وكثرة)، قال: اقتله، فلأن يموتَ، خيرٌ من أن يَمُوق (أي يهلك)‏».

•    دخل الأحنف بن قيس على معاوية بن أبي سفيان، فأشار له إلى الوساد، فقال له: اجلس. فجلس على الأرض، فقال له معاوية: وما منعك يا أحنف من الجلوس على الوساد؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إن فيما أوصى به قيس بن عاصم المنقري ولده، أن قال: «لا تغشَ السلطانَ حتى يَمَلُكَ، ولا تقطعه حتى ينساك، ولا تجلس له على فراش ولا وساد، واجعل بينك وبينه مجلس رجل أو رجلين، فإنه عسى أن يأتي من هو أولى بذلك المجلس منك، فتقام له، فيكون قيامك زيادة له، ونقصاناً عليك». حسبي بهذا المجلس يا أمير المؤمنين، لعله إن يأتي من هو أولى بذلك المجلس مني، فقال معاوية: «لقد أوتيت تميم الحكمة، مع رقة حواشي الكلم».

•    قال رجل لمحمد بن نحرير: أوصني. فقال: اسمع ولا تتكلم، واعرف ولا تُعرِّف، واجلس إلى غيرك ولا تُجلِسهُ إِليكَ.

•    ونقل التوحيدي، من وصايا الحكماء: «البِرُّ يستعبِد الحُر. القناعة عز المعسر. الصدقة كنز الموسر. ما انقضت ساعةٌ من أمسك إلا ببضعةٍ من نفسك. درهمٌ ينفع خيرٌ من دينار يضر. من سره الفساد ساءه المعاد. الشقي من جمع لغيره فضنَّ على نفسه بخيره. زد من طول أملك في قصر عملك. لا يغرنَّك صحة نفسك، وسلامة أمسك، فمدة العمر قليلة، وصحة النفس مستحيلة. من لم يعتبر بالأيام لم ينزجر بالمَلام. من استغنى بالله عن الناس أمن من عوارض الإفلاس. من ذكر المنيَّة نسي الأمنيَّة. البخيل حارس نعمته، وخازن ورثته. لكل امرئ من دنياه ما يعينه على عمارة أخراه. من ارتدى الكفاف اكتسى بالعفاف. لا تخدعنَّك الدنيا بخدائعها، ولا تفتننَّك بودائعها. رب حجة تأتي على مهجة، ورُبَّ فرصة تؤدي إلى غصة. كم من دم سفكه فم!

كم إنسان أهلكه لسان! رب حرف أدى إلى حتف. لا تفْرط فتسقط. الزم الصمت وأخْف الصوت. من حسُنت مساعيه طابت مراعيه. من أعز فَلسه أذل نفسه. من طال عدوانه، زال سلطانه. من لم يستظهر باليقظة، لم ينتفع بالحفظة. من استهدى الأعمى عمي عن الهدى. من اغتر بمِحاله قصر في احتياله. زوال الدول باصطناع السِّفَل. من ترك ما يعنيه دُفع إلى ما لا يعنيه. ظلم العمال من ظُلمة الأعمال. من استشار الجاهل ضل، ومن جهل موضع قدمه زل. لا يغرنك طول القامة مع قصر الاستقامة، فإن الذرة مع صغرها أنفع من الصخرة على كبرها. تجرع من عدوك الغصة إن لم تنل منه الفرصة، فإذا وجدتها فانتهزها قبل أن يفوتك الدَّرَك أو يصيبك الفلَك، فإن الدنيا دولٌ تبنيها الأقدار ويهدمها الليل والنهار. من زرع الإحن حصد المحن. من بعد مطمعه قرب مصرعه. الثعلب في إقبال جده يغلب الأسد في استقبال شده. رب عطب تحت طلب. اللسان رِقُّ الإنسان. من ثمرة الإحسان كثرة الإخوان. من سأل ما لا يجب أجيب بما لا يحب».

*السفير السعودي لدى الإمارات.