•    عاش الأوس بن حارثة دهراً، وليس له ولدٌ، إلا مَالِك، وكان لأخيه الخزرج خمسة: عمرو، وعوف، وجشم، والحارث، وكعب، فلما حضره الموت، قَالَ له قومه: قد كنا نأمرك بالتزوج فِي شبابك فلم تزوج حتى حضرك الموت، فقَالَ الأوس: «لم يهلك هالكٌ تركَ مثلَ مَالِك، وإن كان الخزرج ذا عدد، وليس لمالكٍ ولد، فلعل الذي استخرج العذق (النخلة بلغة الحجاز) من الجريمة (النواة)، والنار من الوثيمة (الموثومة المربوطة)، أن يجعل لمالك نسلاً، ورجالاً بُسلاً (شجعان). يا مالك، المَنِيَّةُ ولا الدَنِيَّة، والعتابُ قبل العقاب، والتَجَلُّدُ ولا التَبَلُد. واعلم أن القبرَ خيرٌ من الفَقر، وشَرُّ شاربٍ المشتفِ (المستقصي شرب بواقي الإناء)، وأقبح طاعمٍ المُقتَفِ (الآكل بعجلة)، وذهابُ البصرِ، خيرٌ من كثيرٍ من النَظَرِ، ومن كَرَمِ الكَرِيمِ، الدفاعُ عَنِ الحريم، ومن قَلَّ ذَل، ومن أَمر (كثر عدده) فَل، وخيرُ الغِنَى القناعةُ، وشَرُّ الفقرِ الضَرَاعَة، والدَهرُ يَومَانِ، فيومٌ لكَ ويومٌ عَلَيكَ، فإذا كان لك فلا تبطر، وإذا كان عليك فاصبر، فكلاهما سينحسر، فإنما تُعِزُّ من ترى، ويُعِزُكَ من لا ترى، ولو كان الموت يُشتَرى لسَلِمَ منه أهل الدنيا، ولكن الناس فيه مستوون: الشريف الأبلج، واللئيم المعلهج (المتناهي فِي الدناءة واللؤم)، والموت المفيت (الذي يبغت الرجل)، خيرٌ من أن يُقَال لك: هبيت (الهبيت هو الأحمق الضعيف)، وكيف بالسلامة، لمن ليست له إقامة، وشر من المصيبة سوء الخلف، وكل مجموع إِلَى تلف، حياك إلهك»!

•    دخل أبو جعفر محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين، على عمر بن عبد العزيز، فقال: يا أبا جعفر أوصني، قال: «أوصيكَ أن تتخذ صغير المسلمين ولداً، وأوسطهم أخاً، وكبيرهم أباً، فارحم ولدك، وصِل أخاك، وبِر أباك، وإذا صنعت معروفاً فَرَبِّهِ».

•    لما أفضى الأمر إلى عبد الملك بن مروان، تاقت نفسه إلى محادثة الرجال والأشراف في أخبار الناس، فلم يجد من يصلح لمنادمته غير الشعبي، فلما حمل إليه ونادمه، قال له: «يا شعبي، لا تساعدني على ما قبح، ولا ترد علي الخطأ في مجلسي، ولا تكلفني جواب التشميت والتهنئة، ولا جواب السؤال والتعزية، ودع عنك «كيف أصبح الأمير، وكيف أمسى». وكلمني بقدر ما أستطعمك، واجعل بدل المدح لي صواب الاستماع مني، واعلم أن صواب الاستماع أكثر من صواب القول، وإذا سمعتني أتحدث فلا يفوتنك منه شيء، وأرني فهمك من طرفك وسمعك، ولا تجهد نفسك في نظر صوابي، ولا تستدع بذلك الزيادة في كلامي، فإن أسوأ الناس حالاً من استكد الملوك بالباطل، وإن أسوأ الناس حالاً منهم من استخف بحقهم، واعلم يا شعبي أن أقل من هذا يذهب بسالف الإحسان، ويُسقِطُ حق الحرمة. فإن الصمت في موضعه ربما كان أبلغ من النطق في موضعه وعند إصابته وفرصته».

•    وأوصى عبد الملك بن مروان، أخاه عبد العزيز، حين ولاه مصر، فقال: «ابسط بشرك، وأَلِن كَنَفَكَ، وآثر الرفق في الأمور، فإنه أبلغ بك، وانظر حاجبك، فليكن من خير أهلك، فإنه وجهك ولسانك، ولا يقِفَنَ أحدٌ ببابكَ إلا أعلمكَ مكانه، لتكونَ أنتَ الذي تأذن له أو ترده، وإذا خرجتَ إلى مجلسك فابدأ بالسلام، يأنسوا بك، وتَثْبُت في قلوبهم محبتك، وإذا انتهى إليك مشكل، فاستظهر عليه بالمشاورة، فإنها تفتح مغاليق الأمور، وإذا سَخَطتَ على أحدٍ فأَخِّر عقوبته، فإنكَ على العقوبة بعد التوقف عنه، أقدر منك على ردها بعد إمضائها».

•    وقال عمر بن هبيرة، يُؤَدِبُ بَعضَ بَنِيهِ: «لا تكونَنَّ أَوَلَ مُشِيرٍ، وإِيَاكَ والهوى والرأيّ الفَطِيرَ (الذي لم يختمر)، وتجنب ارتجال الكلام، ولا تُشَر على مُستَبِدٍ، ولا على وَغدٍ، ولا على مُتَلَوِّنٍ، ولا على لَجُوجٍ، وخَفِ اللهَ في مُوَافَقَةِ هَوَى المُستَشِيرِ، فإِنَّ التماسَ موافَقَتِهِ لُؤمٌ، وسُوءُ الاستماعِ مِنهُ خِيَانَة».

•    وقال: «مَن كَثُرَ كَلامُهُ كَثُرَ سَقَطُهُ، ومَن سَاءَ خُلُقُهُ قَلَّ صَدِيقُهُ».

* السفير السعودي لدى الإمارات