ينغمس الفرنسيون الآن في نوبة من التشاؤم التناقضي، بسبب ما يوصف بأنه أسوأ أزمة سياسية منذ حرب الجزائر، مع تفاقم الاضطرابات الاجتماعية، وتراجع ثقة المستهلك، وتراجع معدلات التأييد للرئيس إيمانويل ماكرون بعد قيامه برفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عاماً، الأمر الذي لم يحظ بتأييد شعبي. ومع ذلك تشير البيانات المؤكدة إلى أن الأمور في الواقع جيدة جداً. وتُظهر أرقام الأسبوع الماضي انتعاشاً في الاقتصاد الفرنسي خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري أفضل من ألمانيا رغم أنه يأتي بعد إسبانيا التي تحقق لها السياحة انتعاشاً. 
وتشمل الجوانبُ الإيجابيةُ الأخرى تراجعَ معدل البطالة إلى أدنى مستوياته منذ 15 عاماً، وزيادةَ استثمارات الشركات وارتفاع الأجور بنسبة 4 إلى 5%، وفقاً لجمعية أرباب العمل الفرنسية «ميديف». ويبلغ معدل التضخم الحالي 5.9%، ومن الواضح أن أسعار الفائدة المرتفعة تنال من عمليات الشراء الكبيرة مثل السلع الكمالية والسيارات، لكن التضخم أقل من المتوسط الأوروبي، بينما تظل المدخرات التي تم توفيرها أثناء الجائحة مرتفعة وتتدفق إلى حسابات تحمل معدلات الفائدة بمستوى قياسي. 
وتناقِضُ لافتاتُ المحتجين على المعاشات التقاعدية، والذين حملوا شعارات مثل «التنقل والعمل، والموت»، انتعاش ما بعد كوفيد: بعد الأرباح القياسية التي حققتها العام الماضي شركة السكك الحديدية SNCF وموسم التزلج الشتوي، يخطط ستة من كل 10 فرنسيين لقضاء عطلات صيفية. وغالباً ما تتضمن النقاشاتُ خلال تناول الأطباق الرئيسية في المطاعم تحليلا مطولا للأزمة الوطنية، تليه الشكوى -أثناء تناول الحلوى- من حجز أماكن السفر.
وفرنسا ليست الدولةُ الوحيدةُ التي لديها اقتصاد متفائل وسط الكآبة السياسية، إذ شهدت الولايات المتحدة كذلك «ركوداً» العام الماضي، لكن قدرة ثاني أكبر اقتصاد في أوروبا على تجنب الركود أثناء إصلاح نفسه أمرٌ مهمٌ للغاية وسط الصدمة التي أحدثتها أزمةُ الطاقة والحرب. لا يتعلق الأمر فقط بقدرة مجموعة «مويت هنسي لوي فيتون» الفرنسية للملابس الفاخرة أو شركة «هيرمس انترناشيونال» على بيع حقائب اليد للصينيين (وهذا هو السبب في أن سوق الأوراق المالية في باريس كان من بين أفضل الأسواق أداءً في العالم)، ولكنه يتعلق أيضاً بتراكم ديون فرنسا من أجل حماية من هم أسوأ حالا من ارتفاع التضخم وإبقاء عدم المساواة في الدخل تحت السيطرة. وتشير الاستطلاعات إلى أن الفرنسيين متشائمون بشأن آفاق البلاد، لكنهم راضون عن نصيبهم من الحياة، وهو تناقض آخر. وهذا هو المكان الذي تكمن فيه المشكلة في القصة الفرنسية. يعلم الرئيس ماكرون، الذي يحاول تعزيز رئاسته بفترة «تهدئة» مدتها 100 يوم وتخفيضات ضريبية للطبقة الوسطى، أن حظه الاقتصادي قد ينفد قريباً مع زيادة أسعار الفائدة واستنفاد رأسماله السياسي. 
إن افتقار ماكرون للأغلبية البرلمانية المطلقة، وعدم قدرته على الترشح لولاية ثالثة، جعله يبدو وكأنه قوة مستهلكة حتى داخل حزبه، وسمح لليمين المتطرف متمثلاً في مارين لوبان، باكتساب شعبية من خلال التخلي عن الأفكار المتطرفة. وتظهر تناقضات الناخبين الفرنسيين بشكل كامل، حيث تكشف استطلاعات الرأي شيئاً من الشعمور بالندم على إعادة انتخاب ماكرون على وجه التحديد لأنه «فعل ما قال إنه سيفعله»، كما قال جان ماري كولومباني، المحرر السابق في صحيفة «لوموند».
وقد أدى ذلك إلى نوع من التفكير الجديد لدى أجيال ما بعد الحقبة الخانقة لإغلاق كوفيد وإلى التحول نحو اليمين في مواقف الناخبين، وإلى ظهور دعوات متزايدة تطالب بـ«الجمهورية السادسة»، وهو ما يعني دستوراً ونظاماً انتخابياً جديدين.
يجب أن تكون أولوية ماكرون الفورية أكثر دقة: بناء أغلبية برلمانية يمكن الاعتماد عليها للإصلاحات المستقبلية وإيجاد ائتلاف عملي مع خريطة طريق للسياسة بدلاً من جمع أصوات لهذا الغرض بالذات. في وقت لاحق، بدلاً من الجمهورية السادسة، يجب أن يسعى ماكرون في النهاية إلى تغيير المصطلحات الانتخابية غير الحكيمة المصممة قبل عقدين من الزمن والتي تثبط عزيمة الائتلافات.
إذا لم يستطع ماكرون إبقاء الاقتصاد الفرنسي على مسار إصلاحي، فإن الخطر يكمن في برميل البارود الحقيقي الذي هو أقل وضوحاً بكثير من احتجاجات المعاشات التقاعدية: ديون حكومية تزيد قيمتها عن 110% من الناتج المحلي الإجمالي. إن خفض تصنيف فرنسا مؤخراً من قبل وكالة فيتش للتصنيف الائتماني يضعها في نفس الفئة مع المملكة المتحدة، نجحت باريس في تفادي فوضى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ولا يوجد مجال كبير للخطأ في نهجها لجعل الإنفاق العام أكثر كفاءةً أثناء محاولتها الاستثمار في المستقبل. ومع تراجع البنوك المركزية عن شراء السندات وتجمع السحب الشعبوية، قد تكون قدرة فرنسا على الاستمرار في الاقتراض والإنفاق وسط التراجع الديموغرافي دون ضغوط السوق، واحدة من المفارقات الكثيرة.

ليونيل لوران
كاتب فرنسي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينديكيش»