قد يكون عام 2022، هو العام الذي بلغت فيه انبعاثات الكربون من قطاع الكهرباء العالمي ذروتها، وأن في ذلك خيراً، فكرة لافتة للنظر. لكن تقنيات الطاقة التي حققت ذلك قد تواجه غابة من القيود في التوقيت الخطأ. وأثارت مراجعة لبيانات الكهرباء العالمية، نشرتها مؤخراً «إمبر»، وهو مركز أبحاث مقره بريطانيا يدافع عن الطاقة النظيفة، احتمال وصولنا إلى ذروة الانبعاثات. وقد يكون ذلك حدثاً تاريخياً: فتوليد الكهرباء هو أكبر مصدر منفرد لانبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بالطاقة، إذ كان مسؤولاً عن 42 بالمئة في العام الماضي. إذا كانت التحولات تختص باستبدال مجموعة من التقنيات بمجموعة أخرى، فإن تلك العملية تبدأ ببلوغ النظام الأقدم ذروته ثم يبدأ في التراجع. والحسابات وراء ذلك واضحة. إذا ارتفع الطلب العالمي على الكهرباء بمقدار واحد وات/ساعة، فإن توليد الكهرباء الذي لا تنتج عنه أي انبعاثات يزيد بمقدار 1+ وات/ساعة، وبالتالي فإن الكهرباء التي تعتمد على مصادر تصدر عنها انبعاثات مثل الفحم والغاز الطبيعي تتراجع.
في العام الماضي، لبت مصادر الوقود التي لا تعتمد على المصادر الأحفورية – ومن بينها الرياح والطاقة الشمسية والطاقة النووية والمائية والوقود الحيوي- 74 بالمئة من زيادة الطلب على الكهرباء، وفقاً لأرقام «إمبر». والرقم الخاص بالرياح والطاقة الشمسية وحدهما يبلغ 80 بالمئة، مما يعكس تراجعاً غير مألوف في منتج آخر لا يصدر انبعاثات، أساساً بسبب الأعطال التي تتعرض لها محطات الطاقة النووية الفرنسية، وإغلاق المحطات في ألمانيا. وهذا جعل كثافة الانبعاثات في قطاع الطاقة العالمي في أدنى مستوياتها على الإطلاق. وبقليل من الافتراضات الأساسية، فإن حصة توليد الكهرباء من مصادر لا تصدر انبعاثات في نمو الطلب قد تصل بشكل معقول إلى نسبة 100 بالمئة هذا العام، مما يعني أن الكهرباء المنتجة من الوقود الأحفوري ستشهد تراجعاً طفيفاً. وقبل كتابة بيان نعي للفحم والغاز الطبيعي، لا بد من تذكّر أن بعض النماذج مفيدة، لكن جميعها خاطئة. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا التراجع المطروح للنقاش في توليد الكهرباء من وقود أحفوري في عام 2023، ضئيل ورأينا مثل هذه الانخفاضات من قبل.
ومع هذا، فإن الحسابات متوازنة، إذ تواجه المولدات الراهنة، بعد عقود عديدة من الانتشار والنمو المضمون، مستقبلاً جديداً يفرض عليها مزيداً من التحديات. والنمو المضاعف المتواصل لمصادر الطاقة المتجددة يتجه على ما يبدو لأن يفوق نمو الطلب على الكهرباء المنخفض والمستقر أحياناً، ومن ثم يفوق ويقلل في نهاية الأمر حصة الكهرباء المولدة من مصادر أحفورية قريباً، إن لم يكن هذا العام. والطاقة الشمسية والرياح هما أكبر مصدرين لذلك، فالزيادة في توليد الكهرباء من الرياح ومن الطاقة الشمسية في العام الماضي، وحده، كانت تعادل إجمالي استهلاك الكهرباء في ألمانيا، بينما لم تكن حصتهما قبل نحو عشر سنوات قليلة نسبياً، إذا كانا ينتجان 3 بالمئة فقط من الكهرباء في العالم. وتراجعت تكلفة طاقة الرياح إلى حوالي النصف، والطاقة الشمسية بحوالي 80 بالمئة. ويولدان معاً في الوقت الحالي 12 بالمئة من الكهرباء في العالم ليسبقا الطاقة النووية. 
ومع هذا، هناك خطر في ذلك بالنسبة لطاقة الرياح والطاقة الشمسية في هذه اللحظة، وهو أن صعودهما الكبير مع تنامي إنتاجهما لأكثر من 100 ضعف منذ عام 2000، يعود بالأساس إلى مزيج من سياسة المناخ الداعمة في عدة دول والتي تمنح قيمة عالية لانبعاثاتها التي تجنبتها وسياسة صناعية داعمة، لاسيما في الصين، تقلل تكلفة خفض الانبعاثات. ونشهد الآن انقلابات أو محاولة للانقلابات على الجبهتين. وهذا قد يبدو غريباً نظراً لأن حصة العالم من انبعاثات الدول التي لم تستهدف الوصول إلى صفر انبعاثات تراجعت من 70 بالمئة إلى أقل من تسعة بالمئة في فترة ثلاث سنوات فقط، حسب أرقام جمعتها وكالة بلومبيرج. لكن اندلعت في السنوات الثلاث ذاتها الحرب الروسية الأوكرانية وتزايد التشظي الأكبر في العلاقات التجارية مما يفرض تحديا على تلك الأرقام المستهدفة، والتي كانت بالفعل طموحة بما يكفي. ويمكن للاهتمام الذي تجدد بمسألة أمن الطاقة أن يكون في صالح المصادر المتجددة لأنها تساعد على تنويع المصادر بعيداً عن الوقود الأحفوري المستورد. لكن يمكنها أيضاً قطع الطريق الآخر، بتشجيع استخدام وإنتاج الوقود الأحفوري المحلي ومصادر توليد الكهرباء المحلية كبديل أو حتى كنظام احتياطي. ومن الشواهد أن خطط الصين لبناء عدد كبير من المحطات الجديدة التي تدار بالفحم مما يضيف إلى أسطول الفحم الذي ينتج بالفعل كهرباء تفوق ما تنتجه شبكة الكهرباء الأميركية كلها. وفي الولايات المتحدة، فإن السياسات المحيطة بالتكنولوجيا النظيفة تغيرت بصورة مثيرة في العام الماضي- بعد إقرار قانون خفض التضخم- للأفضل على الأغلب فيما يخص تشجيع المزيد من الطلب. غير أن عناصر المحتوى المحلي في هذا القانون، الذي يأتي في سياق العلاقات المتدهورة مع الصين، يعني أن قدراً من الدعم الإضافي على الأقل سيخصص لتلبية التكاليف الأعلى لسلاسل الإمداد المعطلة. 
لقد حققت الطاقة الشمسية وطاقة الرياح قدراً كبيراً إلى الآن، لكن يجب أن تظل السياسة داعمة، بدلاً من أن تكون سبباً للتشتت أو مصدراً للقيود، للحفاظ على قوة الدفع. 

*صحفي متخصص في قضايا الطاقة