في الثالث من يونيو الجاري وقّع الرئيس الأميركي جو بايدن اتفاقاً بين الحزبين الرئيسيين (الجمهوري والديمقراطي) لحل أزمة ميزانية كان يمكن أن تؤدي إلى عجز الولايات المتحدة عن سداد ديونها لأول مرة على الإطلاق. وهو ما كان سيتسبب في ركود مالي عالمي كان سيؤدي بدوره إلى بؤس كبير في العديد من البلدان، ومن بينها الولايات المتحدة. 
ولحسن الحظ، استطاع بايدن والرئيس الجمهوري الجديد لمجلس النواب كيفن مكارثي في الأخير الالتفافَ على مطالب المتشددين في حزبيهما والتوصلَ لاتفاق وسط سمح لكلا الحزبين بإعلان «النصر». غير أنه نصر لم يكن سهلاً وكان يمكن أن ينحو منحى سيئاً. وفي الوقت الراهن، يجني الزعيمان إشادةً نادرةً عن جهودهما. فقد أظهر مكارثي، بشكل خاص، أنه قادر على مجابهة الابتزاز من يمينه المتطرف، ونتيجة لذلك عزّز موقفَه داخل الحزب الجمهوري. 
ولكن هل أضعف هذا التوافقُ المطالبات بسياسات أكثر تشدداً من قبل الأجنحة المتطرفة في كلا الحزبين؟ المتفائلون يأملون في عودة ظهور «وسط» السياسة الأميركية وأن يستطيع بايدن ومكارثي الاتفاقَ على مزيد من التشريعات التي يدعمها كلا الحزبين. 
لكن السؤال الكبير هو ما إن كانت المعركة بين الجمهوريين لإيجاد مرشح للبيت الأبيض عدا دونالد ترامب ستجعل الحزب أكثر قابليةً للتأثر بسياسات وسطية أم ستؤدي فقط إلى ترامب أقل سمِّية؟ المثير للسخرية هو أن الديمقراطيين مقتنعون بأن ترامب، أو معادله، سيكون دحره أسهل من هزيمة جمهوري وسطي، محاججين بأن سياسات ترامب والسياسيين الذين دعمهم في انتخابات 2018 و2020 و2022 أثبتوا أنهم يفتقرون للشعبية عند الناخبين. ولهذا السبب، أعلن الحاكمُ الجمهوري المعتدل لولاية نيوهامبشر كريس سنونو أنه لن ينضم إلى قائمة الأسماء التي تنافس ترامب. إذ يعتقد أن هناك عدداً أكبرَ مما ينبغي من المرشحين، ويرى أن أفضل طريقة لهزم ترامب هي دعم مرشح معتدل يستطيع الفوز بالترشيح الحزبي في انتخابات نيوهامبشر التمهيدية المهمة. ويعتقد سنونو وعدد من الجمهوريين الذين يتوقون لعهد رونالد ريغان بأن ترشح ترامب سيعني حرفياً نهايةَ حزب جمهوري معروف بالدفاع عن القيم المحافظة، والدعم للجيش الأميركي، وبسياسة خارجية قوية قائمة على بناء تحالفات قوية مع الأنظمة الديمقراطية حول العالَم.
وعلى الرغم من أنه لا أحد تقريباً يشكك في مهارات بايدن السياسية التي صقلت على مدى خمسين عاماً في الخدمة العامة، فإن هناك بواعث قلق متزايدة بشأن عامل السن الذي يبدو أنه يطرح مشكلةَ إعادة انتخاب جدية، لا سيما إذا اختار الجمهوريون شخصاً أصغر سناً من ترامب. والواقع أن زلاّت بايدن الشفهية ليست جديدة عليه ولا يُنظر إليها على أنها مشكلة خطيرة. لكن طريقة تحركه، وعثراته المتكررة، وسقطته الأخيرة التي كان يمكن أن تكون خطيرةً في أكاديمية القوات الجوية الأميركية في الأول من يونيو الحالي، جعلت الأنصارَ يشعرون بالقلق. وفي حال أعيد انتخابُه، سيكون عمره 82 عاماً حينما يبدأ ولايتَه الثانية في يناير 2025. وفي حال عجزه عن الاضطلاع بمهامه كرئيس، ستتولى نائبة الرئيس كمالا هاريس الرئاسة، وهي تفتقر للشعبية في الوقت الراهن. غير أنه سيكون من قبيل الانتحار السياسي التفكير في استبدالها برفيق سباق آخر. ذلك أن اختيار امرأة مختلطة الأعراق لتكون على «التذكرة الديمقراطية» في انتخابات 2020 كان أساسياً لبايدن من أجل حشد دعم أغلبية الناخبين السود في الولايات المتأرجحة المهمة. ولعل الحالة الوحيدةَ التي يمكن أن يقوم فيها بايدن باستبدال هاريس بشخص آخر هي في حال تم اختيار شخص مثل ميشيل أوباما ذات الشعبية الواسعة، لكن يبدو أنها غير مهتمة بالعودة إلى السياسة. 
المأزق بالنسبة لكل من الجمهوريين والديمقراطيين هو أن المرشحين الأكثر احتمالاً للترشح لانتخابات 2024، في الوقت الراهن، يظلان بايدن وترامب. غير أن نوفمبر 2024 ما زال بعيداً عنا بعام ونصف العام، والكثير من الأشياء يمكن أن تحدث لتغير المعادلة السياسية الحالية.

*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشيونال إنترست»- واشنطن