كان من المتوقع أن تخرج شركة «باينانس» وشركات العملة المشفرة الأخرى من تحت أنقاض انهيار بورصة العملات المشفرة (إف.تي. إكس) بصفتهم الناجين من السوق التي سترتفع حتماً. والآن، أوضح المنظمون الأميركيون أن هجمات واضحة تستهدف قطاع التشفير بأكمله. وشكوى لجنة الأوراق المالية والبورصات، المؤلفة من 136 صفحة، في الأيام القليلة الماضية ضد «باينانس» بزعم إساءة إدارة أموال العملاء، والعمل بشكل غير صحيح كبورصة غير مسجلة وخرق قواعد الأوراق المالية، تمثل في حد ذاتها توعداً قاسياً. وهذا يرجع إلى حد كبير إلى المحادثات الداخلية التي تجعل متداولي ليبور (سعر فائدة بين بنوك لندن) قبل 2008 يخجلون. ويبدو أن مسؤول الامتثال في «باينانس» قال لزميله في عام 2018: «نحن ندير سوقاً غير مرخصة للأوراق المالية في الولايات المتحدة الأميركية يا صديقي». وعلاوة على العصف بالقواعد من خلال السماح للأميركيين بفتح حسابات والتداول بشكل لا يتبع القواعد المرعية، تزعم لجنة الأوراق المالية والبورصات أن التداول الهائل بالغ بشكل مصطنع في حجم باينانس. وتقول باينانس إنها تأخذ المزاعم «مأخذ الجد»، لكنها «ستدافع بقوة» عن برنامجها. 
وفي مواجهة الإجراءات التنظيمية الأخرى، بما في ذلك إعلان يوم الثلاثاء (6 يونيو) أن لجنة الأوراق المالية والبورصات قد رفعت دعوى قضائية ضد «كوينبيز جلوبال» بزعم انتهاكها قواعد الأوراق المالية الأميركية، يبدو أن المشرفين يقيمون ببطء جداراً يراد به تطويق الصناعة. وتأتي حملة لجنة الأوراق المالية والبورصات بعد شكوى لجنة التداول بالأجل في السلع الأولية ضد «باينانس»، وهي سلسلة من عمليات إغلاق البنوك الصديقة للعملات المشفرة، وأحكام قضائية ضد المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي في جميع أنحاء العالم، الذين حصلوا على أموال حقيقية للترويج للنوع الافتراضي. وبعد دورة ازدهار وكساد للعملات المشفرة على غرار الغرب المتوحش والتي دمرت الأرواح وحرضت على الجريمة، يبدو المنظمون مصممين على تقليص هذا السوق بطريقة مماثلة لتطهيرهم الصناعة المالية بعد الأزمة المالية العالمية.
فقد انخفض سعر «بتكوين» نحو ستة بالمئة منذ تقديم لجنة الأوراق المالية والبورصات شكواها ضد باينانس، لتصل إلى نحو 25 ألف دولار، بينما انخفضت أسهم «كوينبيز» بنحو 12 بالمئة في تداول ما قبل السوق يوم الثلاثاء (6 يونيو). ومن المحتمل أن يكون أكثر من ثلث صافي عائدات «كوينبيز» معرضاً للخطر من إجراء لجنة الأوراق المالية والبورصات، وفقاً للمحلل «مارك بامر» من بيرينبيرج. وكان رد فعل محبي العملات المشفرة والشركات هو شجب أسلوب مطاردة الساحرات. وتقول باينانس إنها «هدف سهل» وقع وسط «لعبة النزاع التنظيمي». وربما يأمل المنظمون في الولايات المتحدة في نقل رسالة إلى تلك السلطات القضائية الأخرى التي ترحب بشدة بباينانس، مثل فرنسا، أو للسياسيين الذين يقترحون لوائح أكثر ودّاً تبني موطناً أميركياً لأنواع العملات المشفرة. 
واستيقظ أخيراً المنظمون في جميع أنحاء العالم على المخاطر التي يشكلها التشفير على الاستقرار المالي وحماية المستهلك. وخسر مقامرو التجزئة أموالهم، وتشعر الحكومات أنها فقدت السيطرة. ومجموعة السبع الصناعية نوهت الشهر الماضي إلى أنها ستواصل مزيداً من التنظيم والرقابة على أسواق العملات المشفرة والتمويل اللامركزي لمواجهة هذه المخاطر. وقالت «باينانس» في مايو إنها تغادر السوق الكندية بعد إدخال قواعد جديدة للعملات المشفرة، بينما فقدت ذراعها الأسترالية الوصول إلى بعض خدمات الإيداع، حيث أصبحت البنوك قلقة بشكل متزايد بشأن عمليات الاحتيال. وهناك فرصة جيدة لمزيد من المطاردة. وذكرت بلومبيرج أن وزارة العدل الأميركية تحقق في احتمال استخدام «باينانس» بشكل غير قانوني للسماح للبعض بتجنب العقوبات. ولذلك على المدى القصير، توقعوا استمرار سماع صوت هدير الأموال التي يتم انتزاعها من النظام البيئي للعملات المشفرة، حيث تجتمع اللوائح مع ألم ارتفاع أسعار الفائدة وتلاشي الخوف من عدم اللحاق بالركب. 
وتتراجع أحجام العملات المشفرة وشركات التداول تنقذها. فقد قلصت شركة «بلوكتاور كابيتال» صندوق تشفير «محايد للسوق» في وقت سابق من هذا العام. وانخفضت قيمة العملات المشفرة لشركات رأس المال الاستثماري بالدولار الأميركي بنسبة 25 بالمئة لشركة أندريسين هورويتز الاستثمارية، و37 بالمئة لشركة بارادايم الاستثمارية وما يقرب من 70 بالمئة لشركة بوليشين الاستثمارية، وفقاً لبيانات «نانسن»، التي استشهدت بها مجلة «فورشن». وعلى المدى الطويل، يعلق دعاة العملة المشفرة آمالهم على العودة إلى أمرين، الوقت والسياسة. وكل فساد جلب معه طفرة أخرى في بدايته، ومن الصعب قمع الأرواح الحيوانية حين يعود الثراء السريع، في ظل أن يكون أحد المحفزات المحتملة حدوث مسار هبوطي لأسعار الفائدة إذا حدث ركود. وفي غضون ذلك، قد يجد السياسيون أنفسهم غير قادرين على مقاومة جماعات الضغط الخاصة بالعملات المشفرة أو الضغط من مشجعي العملات المشفرة مع تنافس المراكز المالية على أن تكون المضيف الأكثر ودّاً للشيء الجديد. 

لكن حتى لو عادت العملة المشفرة يوماً ما، فما يحدث الآن ما زال يبدو وكأنه لحظة فاصلة. فقد هيمن على عصر «باينانس» وبورصة «إف.تي.إكس» للعملات المشفرة بورصات خارجية قوية تقدم رهانات مشتقات محفوفة بالمخاطر للمقامرين عبر هياكل صندوق أسود مبهم مع القليل من الإشراف. والآن بعد أن سلط المنظمون الضوء على أي شيء ليس واضحاً، فإن هناك شركات التجارة والتمويل التكنولوجي من «نمورا سيكيوريتيز» إلى «سوسيتيه جنرال» تسير بحذر في سوق عملات مشفرة، كان من المفترض أن تعطلها، تبرز قوة اللوائح التنظيمية. وهذه المرة، قد تكون الضربة قاتلة.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»