يحتوي مفهوم البيئة على جزأين رئيسيين، الأول علم الإيكولوجيا المتعلق بالتفاعلات والمؤثرات المتبادلة بين جميع عناصر النظام الإيكولوجي من النباتات والحيوانات والتربة والماء والبشر والعوامل الجوية والزمان.

والجزء الثاني من التعريف، يشمل ما يقوم به البشر من تفاعل وسلوك ومنشآت وصناعات وعلوم مؤثر على الطبيعة والبيئة.

وفي مسارات دور الأمم والدول في المحافظة على البيئة والحياة الطبيعية وتقليل التلوث وتحييد استنزاف الموارد الطبيعية عبر الاتفاقيات والمؤتمرات والمبادرات والاختراع الدولية، مع معضلة الالتزام والرقابة والعقوبة في سلوك الدول والشركات والأفراد المؤثرة سلباً على شؤون البيئة، فإننا نعرض هنا أبرز وأشهر الفلسفات حول البيئة.

خرجت فلسفات حول الإنسان والطبيعة منها الأخلاقية البيئية أو الإتيقا الإيكولوجية البيئوية، وهي فلسفة أخلاقية تبلورت في منتصف السبعينيات من القرن المنصرم، وتقوم على أن الإنسان ملزم أخلاقياً وقانونياً بالأحجام عن إيذاء البشر، وبذلك يعتبر ملزماً في عدم إيذاء الكائنات الحية الأخرى إلا لأسباب ضرورية.

وفي فلسفة أعمق تؤكد الإيكولوجيا الجذرية/العميقة بأن المعضلة في علاقة الإنسان السلبية بالبيئة تنبثق من المركزية البشرية، حيث إن البشر مقياس كل قيمة، وهذا المنظور يقود دائماً إلى التعامل مع الكائنات غير البشرية على أساس أنها مجرد مواد ووسائل لإشباع حاجات ورغبات البشر المتزايدة والمتعددة.

وعلى هذا المسار، ترى الحركة النسوية بأن الحالة المتردية بين الإنسان والبيئة تنبثق من البطريركية –النظام الأبوي الذكوري، فالتراتبية الاجتماعية المتمثلة في جعل الرجل هو صاحب السلطة في العائلة والمجتمع قادت إلى مختلف الشؤون الفاسدة والمخربة والمدمرة والظالمة في شؤون الحياة من تلوث البيئة والحروب والدمار وحتى الاستعمار ونهب الثروات واستغلال العمال والفقراء والمراهقين.

بينما نجد بأن فلسفة الحركة الإصلاحية تركز على أن الإنسان الجاهل والجشع هو المسبب لتدهور أحوال وأوضاع البيئة، لذا تؤكد على أهمية التشريعات الرادعة والثقافة لكبح الممارسات السلبية تجاه البيئة.

ومن المساهمات النيرة التي رسمت ومهدت طرقاً للدول والمجتمعات للتعامل الأمثل مع البيئة ما قدمهُ الفيلسوف «هانز يوناس» عبر الأخلاق المسؤولة، فقد ركز على أن الكائنات لها ذاتية وإدراك ومشاعر مع كون الإنسان ينفرد بأنه الكائن الحي الأكثر وعياً وإدراكاً، وعلى هذه الحقيقة المسلمة، فالإنسان تقع عليه المسؤولية الأساسية والكبيرة في أحوال وأوضاع وشؤون البيئة والطبيعة والبشر، كما وضع «يوناس» الالتزام الخلقي بالمسؤولية تجاه حياة الأجيال القادمة في فرص التنمية، وهذه النقطة المحورية، أكد عليها «جون رولز» بدعوته إلى إقامة عدالة بين الأجيال وتعاقبها.

ونعاصر اليوم ما شهدهُ العالم من قفزة كبيرة في شؤون البيئة مع الشخصية السياسية والطبيبة النرويجية غرو هارلم برونتلاند Gro Harlem Brundtland، والتي أسست بالتنسيق مع الأمين العام للأمم المتحدة وترأست «اللجنة العالمية المعنية بالبيئة والتنمية» "WCED''، والتي طرحت مفهوم التنمية المستدامة للأمم عام 1987، والذي يقوم على تلبية احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتهم الخاصة، وما زالت فلسفة التنمية المستدامة تتسع وتتنوع مجالاتها وطرقها وأهدافها ومعاييرها وأدوات قياسها.

*كاتب ومحلل سياسي