إن ما يحدث في السودان اليوم هو نتاج كان متوقعاً لعمليات عبث بالبلد طوال سنوات النظام السابق وجماعته الإخوانية، وهو أمر حدث ويحدث مثله كثيراً في العالم العربي، ولعل أقرب نموذج له ميليشيا «حزب الله» في لبنان التي باتت تسيطر على الدولة أكثر مما يسيطر عليها الجيش الوطني اللبناني نفسه!
كان من المفترض منذ بداية التغيير الحكومي في السودان أن تكون هناك خطوط حمراء وعناوين رئيسية تحدد مهامَّ الجيش ودورَه وتعزز قوتَه.
الأزمة القائمة حالياً في السودان لا تحتمل تبادل اللوم والتقاذف بكرة المسؤولية، بل تحتاج تدخلاً دولياً حصيفاً وقوياً وحازماً لإيقاف هذا النزيف الذي لا يمكن للمنطقة تحمل تبعات استمراره؛ فقد أثقلتها الحروب والاضطرابات وعدم الاستقرار، مما تسبب لها في استنزاف الثروات وتعطيل فرص النمو.. الأمر الذي يدفع للتساؤل بارتياب وتشكك حول مَن يقف خلف كل هذا التدمير؟
لا شك في أن نظرية المؤامرة لم تعد مجردَ نظرية بعد اليوم، بل هي واقع نرى نتائجَه في العديد من البلدان العربية مثل العراق والسودان وليبيا واليمن وتونس.. وغيرها من الدول ذات الثروات البشرية والمادية والاستراتيجية الكبيرة، ناهيك عن سوريا التي ما يزال وضعها مقلقاً رغم المحاولات العربية لإنهاء الأزمة فيها.
وحين تتجه أصابع اتهام البعض حول هذه الأزمات نحو الغرب فربما لا مبالغةَ في ذلك، لأن أكثر المستفيدين من هذا الغليان بعض القوى الكبرى التي تعتبر مناطقَ معينة من العالم النامي مجردَ فناء خلفي لها، وترى أنها الأحق بثروات هذه المناطق وليست شعوب المناطق نفسها التي أنهكها الفقر والحاجة رغم ما تملكه من إمكانات بشرية وطبيعية.
لقد بات سكان الخرطوم حالياً بين قتيل ومصاب ومشرد.. حيث افتقرت العاصمةُ المثلثةُ للأمن وأسفرت الحرب فيها عن نزوح ما يزيد على مليوني شخص! إن أيَّ طرف في هذه الأزمة لن يكسب الحريةَ في حال استمرت حالة الجنون والقتل غير المبرر، إذ ستخلِّف المواجهاتُ الحالية حالةً من الغضب والألم حتى بعد سكوت أصوات المدافع. والمؤسف أن السودان، البلد الذي يزخر بالعباقرة في كل مجالات العلوم والفنون والآداب، صار اليوم بلد الخوف والقتل والحرب.. حيث يفر أهل الخبرة والمعرفة خوفاً على حياتهم! ولعل الأمل الوحيد في إخراج السودان من محنته معلَّق بتدخل قوات دولية بغية إنهاء الحرب المجنونة التي زادت من إنهاك البلد المنهك أصلاً. لم تكن الحياة وردية في السودان قبل الحرب، بل كانت مليئة بالمصاعب اليومية، لكن جاءت الحرب لتزيد الوضعَ مأساويةً. وكل هذا ينعكس سلباً على المنطقة عموماً، لذا فمن الضروري لهذه الأزمة أن تنتهي في أسرع وقت ممكن.
 
*كاتبة إماراتية