إيمانويل كانط في نصه الشهير (ما الأنوار) يستنكر حالة الخوف من الاستقلال كاتباً:(إن الكسل والجبن هما السبب الذي يجعل طائفة كبيرة من الناس يظلّون - عن طيب خاطر- قاصرين طوال حياتهم، حتى بعد أن تكون الطبيعة قد حررتهم منذ مدة طويلة، من كل قيادةٍ خارجية، والذي يجعل آخرين ينصبون أنفسهم بسهولة أوصياء عليهم، إنه من المريح جداً أن يكون المرء قاصراً إذا كان لدي كاتب له فَهم نيابةً عني، وواعظ له ضمير نيابة عني، وطبيب يحدد لي نظام تغذيتي، فإني لن أحتاج إلى أن أجتهد بنفسي، ليس من الضروري أن أفكر ما دمت قادراً على أداء الثمن، ذلك أن الآخرين سيتحملون هذا العمل المزعج نيابة عني. أما أن الأغلبية الساحقة من الناس يعتبرون أن الخطوة نحو الرشد فضلاً عن أنها شاقة خطيرة جداً كذلك، فهذا ما سبق أن دبّره أولئك الأوصياء الذين يتحملون الإشراف العام عليهم بطيبوبة تامة، فبعد أن يجعلوا أولاً ماشيتهم مغفلة وبعد أن يحرصوا بعناية على ألا يسمح لهذه المخلوقات الهادئة بأن تتجرأ على القيام بخطوة واحدة خارج عربة المشي التي حرسوا داخلها، بعد ذلك يبينون لهم الخطر الذي يتهددهم إذا ما حاولوا المشي بمفردهم، صحيح أن هذا الخطر ليس بالذات جد كبير لأنهم سينتهون بتعلم المشي بعد أن يسقطوا بضع مرات، إلا أن مثالاً واحداً من هذا النوع، يثير الوجل لدى المرء ويردعه عموماً عن القيام بمحاولاتٍ أخرى).
في هذا النص المعبّر، يتحدث إيمانويل كانط عن السخف الذي يمارسه الأوصياء لاعبين على وتر«التخويف»، وهو ما يُشاهد فعلاً الآن عبر تخويف الخائفين، تحت مسمياتٍ متعددة، جماعها «الزجر» و«التخويف» وبثّ جميع أساليب «الخرافة»، إن العلم يخفف مستوى «الخوف» ويطوّره من يوميته المحدودة ليتحوّل إلى «جمرْ» أحمر ينبض بأسئلة علمية متقنة، يتمسّك بها المتعلم والقارئ بنواجذه بحثاً عن إجابات أو مقاربات، ذلك «الولع» بالمعرفة سيصبح هو شكل «القلق» المفيد والمحمود، وهو القلق الذي لازم المفكرين والفلاسفة وعباقرة العلوم. وأبرز الأدلة على تضاؤل الخوف مع ازدياد العلم، هو الأمان النسبي الذي يحققه تكذيب العلم «للخرافة» وتطهير الذات من أدرانها. 
إيمانويل كانط فيلسوف ألماني من القرن الثامن عشر، عاش حياته كلها في مدينة كونيغسبرغ في مملكة بروسيا. كان آخر الفلاسفة المؤثرين في الثقافة الأوروبية الحديثة، وهناك من يعتبره آخر فلاسفة عصر التنوير، وأحد أهم رواد الفلسفة الأخلاقية حتى يومنا هذا، وأكثرهم تأثيراً في الفلسفة الغربية الحديثة.

إن تعطيل مفعول الخرافة المعشش في الذهن يساهم في الخروج من دوامة عنيفة من دوامات الخوف، إن الانشغال المتكلّف بأساليب الأنس لا يطرد الخوف، ولا يجلب السعادة، وإنما التفرّد والاستقلال بالذات خارج تكتلات التجهيل هي الخطوة الأولى نحو طريق مختلفة، تنقل الكائن من «خوف» رخيص، إلى «قلق» نابض، إلى احتراق منتج.
* كاتب سعودي