يُعد إنتاج الطاقة من مصادر نظيفة إحدى الخطوات الرئيسية التي يجب على الدول اتباعها لتنجح في تحقيق أهدافها المتمثلة في الوصول إلى الحياد الكربوني، وتقليل آثار التغير المناخي في كوكب الأرض. ولا شكَّ في أن التغير المناخي والطاقة النظيفة قضيتان مترابطتان، وتُعدَّان من القضايا المهمة على المستوى العالمي، لأسباب عدَّة رئيسية. ويوضح هذا المقال أهمية الطاقة النظيفة، والتصدي للتغير المناخي، ودور الهيدروجين المرتقب في مزيج الطاقة مستقبلاً.
تُعزى أهمية الطاقة النظيفة إلى دورها في ما يأتي:
• حماية البيئة، إذ يؤدي استخدام الوقود الأحفوري في إنتاج الطاقة إلى انبعاث غازات الدفيئة، وتلوث الهواء والماء. وعلى سبيل المثال يسهم انبعاث ثاني أكسيد الكربون في ظاهرة الاحتباس الحراري وتغير المناخ، وباستخدام مصادر الطاقة النظيفة، مثل الطاقتين الشمسية والمائية وطاقة الرياح، يمكن تقليل هذه الانبعاثات وحماية البيئة.
• التنمية المستدامة، إذ تسهم الطاقة النظيفة في تعزيز التنمية المستدامة عن طريق توفير فرص عمل جديدة في قطاعات مثل الطاقة المتجددة، وتحسين البنية التحتية البيئية، كما تسهم في تحسين الوصول إلى الطاقة في المجتمعات التي تعاني نقصاً فيها.
• التنوع الطاقوي، إذ توفر الطاقة النظيفة تنوعاً في مصادر الطاقة، ما يقلل الاعتماد على مصادر الوقود الأحفوري المحدودة، ويجعل الاقتصادات أكثر استقلالاً، وأقل تأثراً بتقلبات أسعار الوقود.
ويُعد التصدي للتغير المناخي هدفاً رئيسيّاً للدول، ويعود ذلك إلى أسباب عدة، من أهمها:
• الحفاظ على البيئة والتنوع البيولوجي، ذلك أن التصدي للتغير المناخي يسهم في الحفاظ على البيئة الطبيعية والتنوع البيولوجي، ولا سيَّما أن زيادة درجات الحرارة، وتغيُّر أنماط هطول الأمطار قد يؤديان إلى تدهور النظم الإيكولوجية، وانقراض كثير من الكائنات الحية.
• الحد من آثار الكوارث الطبيعية، إذ تُعزز مواجهة التغير المناخي قدرة البشرية على التصدي للكوارث الطبيعية والتكيف معها، مثل الأعاصير والفيضانات والجفاف، ويسهم تقليل الانبعاثات الغازية وتعزيز التنمية المستدامة في الحيلولة دون تكرار هذه الكوارث، وتخفيف شدَّتها.
• حماية الاقتصاد والأمن الغذائي، فقد تؤثر زيادة درجات الحرارة، وتغيُّر أنماط هطول الأمطار سلباً في الزراعة والثروة السمكية ومصادر المياه، ويسهم التصدي للتغير المناخي كثيراً في حماية الاقتصادات العالمية والأمن الغذائي.
• الصحة العامة، إذ يمكن أن يزيد ارتفاع درجات الحرارة انتشار الأمراض المنقولة بوساطة الحشرات والطفيليات، في حين أن ارتفاع نِسب التلوث الجوي قد يؤدي إلى زيادة حالات الربو وأمراض التنفس الأخرى، وتخفّف مواجهة التغير المناخي مثل هذه التأثيرات السلبية، وتسهم في تعزيز الصحة العامة.
ويؤدّي الهيدروجين دوراً مهمّاً في مزيج الطاقة النظيفة، ويُعد أحد أبرز مصادر الطاقة المستدامة، وسيكون له دور أساسي في مواجهة التغير المناخي، نظراً إلى المعطيات الآتية:
- الوقود النظيف: يمكن إنتاج الهيدروجين من مصادر متجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح باستخدام عمليات التحليل المائي، فعند استخدام خلايا الوقود الهيدروجينية يُحوَّل الهيدروجين إلى كهرباء، ما يسمح بتشغيل المركبات ووسائل النقل الأخرى بصورة نظيفة ومن دون انبعاثات ضارة، إذ يكون الناتج النهائي هو الماء النقي، وهذا يسهم في تقليل اعتمادنا على الوقود الأحفوري، وتحسين جودة الهواء في المدن.
- التخزين والنقل: يتمثَّل أحد استخدامات الهيدروجين في كونه وسيلةً لتخزين الطاقة ونقلها، ويمكن تخزين الهيدروجين بسهولة ونقله بشبكات الغاز الحالية أو عبر وسائل النقل الخاصة بالوقود الهيدروجيني، مثل السيارات والحافلات والقطارات، ما يسمح بتوزيع الطاقة النظيفة واستخدامها في مناطق تفتقر إلى مصادر طاقة محلية.
- الاستدامة والتنوع الطاقوي: يُعزز الهيدروجين التنوع الطاقوي، ويقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري التقليدي، ويمكن استخدامه في العديد من المجالات، ومنها النقل، والصناعة، وتوليد الكهرباء، ما يسهم في استدامة النظام الطاقوي، وتخفيض انبعاثات الكربون.
- إنتاج الطاقة: يمكن أن يُستخدَم الهيدروجين في تخزين الطاقة المتجددة، إذ يُنتَج الهيدروجين عند توليد طاقة متجددة إضافية، ويُخزَّن للاستفادة منه في الأوقات التي يكون فيها الطلب على الكهرباء عالياً، ما يعزز استدامة الشبكات الكهربائية وثباتها.
- الاستخدام الصناعي: يُستخدَم الهيدروجين بصفته مصدراً للطاقة في الصناعات الثقيلة وعمليات التصنيع، فعلى سبيل المثال يمكن استخدامه وقوداً في معامل الصلب بدلاً من الفحم الحجري، ما يقلل الانبعاثات الكربونية، ويسهم في تحقيق الاستدامة البيئية.
ولا شكَّ في أن الهيدروجين سيكون له، مستقبلاً، دور أساسي في وصول الدول إلى أهداف الحياد الكربوني، ولهذا تستثمر كثير منها حاليّاً في هذا المصدر الطاقوي لتحقيق تطلعاتها، وتوفير الحياة الكريمة لشعوبها، ومنها دولة الإمارات العربية المتحدة التي تستثمر الآن في إنتاج الهيدروجين وتخزينه، لتقليل البصمة الكربونية وتحقيق الحياد الكربوني.

د.أحمد خليفة الكعبي

*أستاذ في جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا ومدير مركز التعاون بين جامعة خليفة والوكالة الدولية للطاقة النووية