لقد كان مكاناً بعيد الاحتمال على الأرجح أن يكون مفترقاً في استجابة العالم لتغير المناخ. لكن انتخابات خاصة في دائرة «أوكسبريدج وساوث روسليب»، على الحافة الشمالية الغربية من لندن، أوضحت أن الحجج حول حماية كوكبنا الساخن تتغير.

فقد أصبح الجدل يركز بدرجة أقل على حقيقة الاحتباس الحراري والتزامات الحكومات الطموح بوقف ارتفاع درجات الحرارة، بل ظهرت بوادر معارضة للتدابير اللازمة للوفاء بتلك التعهدات. والظاهرة يطلق عليها «جرينلاش» (أي الارتداد الأخضر). وتأتي الظاهرة إلى حد كبير من الشركات والمجتمعات والمواطنين الأفراد الذين سيكونون الأكثر تضرراً مباشرة من الانتقال إلى اقتصاد أكثر اخضراراً.

لكنها تتضخم بسبب الظروف الاقتصادية العالمية، ومثل تباطؤ النمو، وارتفاع كلفة الوقود، وضغط مستويات المعيشة بسبب الصدمات المزدوجة لجائحة كوفيد-19 وحرب روسيا على أوكرانيا. ويعزز هذا المسعى السياسيون. ليس فقط الذين طالما عارضوا التصدي للتغير المناخي، لكن أيضاً بعض الشخصيات الرئيسية المهتمة بالعواقب الاقتصادية والسياسية للتحرك المناخي بشدة كبيرة وبسرعة شديدة.

ولهذا السبب اكتسبت انتخابات أوكسبريدج أهميتها، ليس فقط للقادة في بريطانيا، لكن أيضاً لمن في البلدان الأخرى المسؤولة عن معظم انبعاثات الكربون التي تغذي زيادة سخونة الكوكب، وهم الأعضاء السبعة والعشرون في الاتحاد الأوروبي والصين والولايات المتحدة.

فهل تستمر في مسعاها، مما يعني توفير الأموال لدعم تلك الصناعات والأفراد الذين سيخسرون مالياً في عملية الانتقال إلى اقتصاد نظيف؟ أم يخففون السرعة، أو حتى يتخلوا عن الجوانب الرئيسية لسياساتهم المتعلقة بتغير المناخ؟ وقدمت انتخابات أوكسبريدج تأكيداً صارخاً بشكل غير متوقع على حدوث تحول ملحوظ في الاقتصادات المتقدمة الأخرى.

وفاز حزب «المحافظين» الحاكم بفارق ضئيل للغاية، من خلال تسليط الضوء على قضية واحدة تتمثل في قرار من رئيس بلدية لندن المنتمي لحزب «العمال»، يقضي بتوسيع منطقة الانبعاثات شديدة الانخفاض في المدينة إلى الضواحي الخارجية. وكان القرار يلزم سائقي مركبات الديزل المنتجة قبل عام 2005 في المنطقة بدفع نحو 15 دولاراً في اليوم. وتمثلت النتيجة في حدوث موجات من الصدمة السياسية، مما أدى إلى زعزعة إجماع واسع بين جميع الأطراف الرئيسية المؤيدة لسياسات قوية لتغير المناخ.

وألقت شخصيات بارزة من حزب العمال باللوم على عمدة لندن في خسارة أوكسبريدج. ودعمت النتيجة الأشخاص الذين يريدون التراجع عن تعهدات الحزب «الخضراء» الأخرى، مثل وضع حد لمزيد من تطوير نفط وغاز بحر الشمال البريطاني. وفي غضون ذلك، رأى بعض السياسيين المحافظين في أوكسبريدج نموذجاً للاحتفاظ بمقاعد أخرى في الانتخابات الوطنية العام المقبل، من خلال استهداف سياسات المناخ لحزب العمال والتراجع عن الجوانب الرئيسية الخاصة بهم، مثل إنهاء المبيعات الجديدة لسيارات تعمل بالبنزين والديزل بحلول عام 2030.

وما زال من غير الواضح إذا كان أي من الطرفين سيعيد كتابة أو يتخلى عن خططه للتعامل مع تغير المناخ. لكن المناخ السياسي يتغير بشكل واضح، على الرغم من أن تحليلاً علمياً جديداً هذا الأسبوع خلص إلى أن موجة الحر الحالية كان من المستحيل حدوثها من دون تأثيرات «تغير المناخ بفعل الإنسان».

وتتغير سياسات تغير المناخ أيضاً في عدد من البلدان في الاتحاد الأوروبي، التي تبنت مجموعة من السياسات المناخية الطموحة، وخصصت نحو 300 مليار دولار في صناديق التعافي بعد الوباء للمبادرات الخضراء. وفي هزة شبيهة بأوكسبريدج، فاز حزب جديد لمزارعين في انتخابات إقليمية في هولندا بالآونة الأخيرة من خلال معارضة قيود انبعاثات النيتروجين في الزراعة.

وفي ألمانيا، خففت الحكومة شروط التخلص التدريجي من مركبات الاحتراق الداخلي تحت ضغط من صناعة السيارات. كما واجهت مقاومة لخطط التخلص التدريجي من غلايات الغاز للتدفئة المنزلية دون حوافز مالية كافية لأصحاب المنازل. وأثار قادة كل من فرنسا وبلجيكا، الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء ألكسندر دي كرو، في الآونة الأخيرة فكرة وقف التشريعات الداعمة لتغير المناخ. وفي الصين، أكبر مصدر لانبعاثات الكربون في العالم، أعلن الزعيم «شي جين بينغ» في أعقاب زيارة الأسبوع الماضي قام بها مبعوث المناخ الأميركي جون كيري أن الصين وحدها هي التي ستقرر «المسار والوسائل... ووتيرة وكثافة» سياساتها الخضراء.

وهذا يعني أن السيد «شي» الذي أشرف على استثمار رائد عالمياً في السيارات الكهربائية والألواح الشمسية وطاقة الرياح، سيواصل التوسع في استخدام طاقة الفحم كثيفة الانبعاثات من الكربون، نظراً لتباطؤ الاقتصاد وتأثير الحرارة الحارقة على شبكة الكهرباء.

فهل هذا ينذر بتراجع واسع النطاق عن التزامات المناخ العالمية؟ ليس بالضرورة، أو على الأقل ليس بعد. فقد يكون هناك تحول نحو نهج الترغيب أكثر من الترهيب، من النوع الذي اتبعه الرئيس الأميركي جو بايدن الذي يقدم فيه قانون خفض التضخم لعام 2022 مئات المليارات من الدولارات لمشروعات الطاقة النظيفة. وحتى هذا جوبه بمقاومة، ربما لأن معظم الإعانات مخصصة للمناطق الريفية، التي فاز بها المرشح «الجمهوري» دونالد ترامب في انتخابات 2020. لكن هناك علامات أقل على ما يمكن أن يسمى غضب «أوكسبريدج» في المناطق التي يتم تقديم هذا التمويل فيها.

فقد أوضح مفوض مقاطعة أوهايو السابق، الذي أعطى الضوء الأخضر لمشروع كبير للطاقة المتجددة، سبب حث زملائه المسؤولين «الجمهوريين» على أن يحذوا حذوه. فقد قال: «لدينا متنزهات جديدة، وتزهو أنظمة المدارس بكل العائدات الإضافية، والطرق في أفضل حالة. أنا من أشد المحافظين، لكني أؤيد مصادر الطاقة المتجددة لأنها كانت رائعة لنا مالياً».

*صحفي أميركي.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»