وجه العاهل المغربي الملك محمد السادس خطاباً إلى الأمة بمناسبة عيد العرش الذي يصادف الذكرى الرابعة والعشرين لتربع جلالته على العرش، وفي نص الخطاب نظر وتحقيق وتشخيص وتعليل للمجتمع المغربي، كما أن مراميه دقيقة وعارفةٌ على نحو عميق بكيفيات الوقائع وأسبابها. وقد لخص الخطابُ الملكي منجزاتِ المغرب المتنوعة بفضل جدية المغاربة وتفانيهم في العمل. وهذان العاملان المؤسسان جعلا المنتخبَ الوطني المغربي يحقق نتائج غير مسبوقة في كأس العالم، كما مكَّنا من إنتاج أول سيارة مغربية محلية الصنع، بكفاءات وطنية وتمويل مغربي، وتقديم أول نموذج لسيارة تعمل بالهيدروجين قام بتطويرها شاب مغربي.
أضف إلى ذينك العاملين عامل الثقة، وهو عامل مفسِّر لنجاح دولة المؤسسات، أو كما جاء في الخطاب الملكي: «هي مشاريع تؤكد النبوغ المغربي والثقة في طاقات وقدرات شبابنا، وتشجعه على المزيد من الاجتهاد والابتكار، وتعزز علامة (صُنِع في المغرب) وتقوي مكانةَ بلادنا كوجهة للاستثمار المنتج».

إن محدد النجاح هو الثقة، وهو محدد يجب أن يغرس ويسقى بماء الذهب في المجتمع، ولأنه إذا تقوى الشكُّ وانعدمت الثقةُ بين المجتمع والدولة وبين الفرد والمجتمع، كما يحدث في بعض البلدان، عمّت الفوضى وتلاشت الفضائل السياسية في المجتمع دفعة واحدة.
الجدية والثقة والتفاني في العمل هي العوامل التي تغرس بذور التنمية في أي مجتمع، وهي صمام الأمان لمستقبله الزاهر، وهي أيضاً العوامل التي تحمي القيم المثلى وتصون المرجعيات المشتركة. وقد أشار الخطاب الملكي إلى اهتزاز في منظومة القيم والمرجعيات على الصعيد العالمي. وكما جاء في مقالتنا المنشورة هنا الأسبوع الماضي، فقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبإجماع أعضائها البالغ عددهم 193، مشروع قرار تقدمت به المملكة المغربية، ضد حرق نسخ القرآن الكريم ومن أجل مواجهة خطاب الكراهية. وهذا القرار التاريخي يستنكر بشدة جميع أعمال العنف ضد الأشخاص على أساس دينهم أو معتقدهم، وكذلك أي أعمال من هذا القبيل ضد رموزهم الدينية أو كتبهم المقدسة، باعتبارها أعمالاً منافيةً القانون الدولي.
ويجب هنا أن نشير أيضاً إلى أن الجدية والثقة اللتين تميزان المغاربة، وكذلك الحكمة الدبلوماسية المغربية، هي التي أثمرت توالي الاعترافات بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، وآخرها اعتراف دولة إسرائيل، وفتح القنصليات بمدينتي العيون والداخلة، وتزايد الدعم لمبادرة الحكم الذاتي.
وقد جاءت تلك الانتصارات في إطار الحكمة الدبلوماسية للمغرب التي أسست لمسيرة دبلوماسية حكيمة حقق بها المغرب نجاحات متتالية، وذلك باعتراف مزيد من الدول بسيادة المغرب على الصحراء.. وهي ثمرة لاستراتيجية تفاوضية قائمة على اتزان فكري وعلى وقائع تاريخية لا يمكن دحضها، وعلى مصالح لا يمكن القفز عليها، وعلى قواعد يجب أن تحكم العلاقة بين الجيران في ظل بيئة دولية معقدة لا تسمح بالارتجالية ولا بالتآمر ولا بنسيان القواسم المشتركة التي تقدس الشفافية والتواصل الدائم والاحترام المتبادل والاتفاقيات الموقعة بين الأطراف.

*أكاديمي مغربي