مما لا تذكره الكثير من كتب السيرة الذاتية حول العالم ألبرت إينشتاين أنه في إحدى تجاربه العلمية في مختبرات اختبار القوة الانشطارية في معهد الدراسات الذري في ولاية ألاسكا عام 1946، وجّه سؤالاً إلى مساعده الباكستاني، خلال جلسة استراحة، عن وجوده كباكستاني ومسلم وحيد من دولة نامية وبعيدة ضِمن فريق علمي «علماني» لا يؤمن بالله؟ فأجاب الدكتور «ميلاد غلماني» ببساطة: «لأن الله سخرني كي أتعلَّم في قريتي الفقيرة وأدخل الجامعة وأحصل على منحة لألتحق بكم. أما أنتم فقد سخّركم الله وأنتم من تكفرون به لتعلمونا العلومَ الدنيوية فنتفوّق بها ونقيم دولةَ الإسلام بعلومكم ولو بعد حين»!

بعد أسبوع كان الدكتور غلماني على متن أول رحلة جوية عائداً إلى باكستان، إذ أوصى إينشتاين بوقف منحته وتسفيره فوراً، وقد جاء في توصيته المكتوبة: «هذا وأمثاله خطر على حضارتنا ويجب أن لا يكملوا تعليمهم». حسناً.. سأضيف هنا إضافة بدونها سينتشر هذا الإدراج في الفضاء الافتراضي كحقيقة تاريخية مسلم بها، مع كم هائل من التعليقات والتكبيرات والشتائم ضد «بلاد الكفار» وباقي بني الإنسان ممن لا يشبهون الدكتور غلماني.

والإضافة هي أن القصة كلها من تأليفي، وقد خطرت على بالي بعد قراءة قصص مشابهة كثيرة موجودة على صفحات الفيسبوك وباقي وسائل التواصل الاجتماعي، وكثير منها ينشر في صفحات تحمل أسماءَ مضللة مثل: قصص تاريخية أو المعرفة العلمية.. إلخ، وهذه القصص راكمت تعليقات استحسان وتصديق لمحتواها بعشرات الآلاف!

ولولا إضافتي هذه الفقرة الآنفة فسينتعش آلاف الجهلة ويتم نشر القصة وتوزيعها على أنها حقيقة بدون أن يكلف أحدٌ نفسَه عناءَ البحث والتدقيق في المعلومات الواردة فيها، وهي عملية سهلة جداً في عصر الإنترنت نفسه الذي كما ينتشر فيه الجهل بسهولة فإن الحقائق موجودة فيه بطرق تحقق واضحة.

لو عدنا للقصة، التي قمت بتأليفها كاملة، سنكتشف مثلاً أنه لا يوجد مختبر اختبار قوة الانشطار، لكنني ببساطة قمت بتركيب مصطلح علمي لا أعرف عنه الكثير شخصياً لوصف مختبر وهمي، كما أنه لا يوجد أصلًا معهد ذري في ألاسكا المتجمدة، وقد قمت بالتحقق من ذلك قارئاً عن ألاسكا التي أشك في أن اينشتاين نفسه قد وطأها بقدمها يوماً. وبالطبع هذا بالإضافة إلى أن باكستان تأسست عام 1947، والقصة التي قمت بتأليف أحداثها جرت عام 1946.

ومع ذلك لن أستغرب بعد زمن أن أقرأ القصة في الفيسبوك على صفحات الجهل والعتمة وقد تم قص كل الجزء الأخير منها، الجزء الذي تقرؤونه الآن، لأن صانعي الأكاذيب لا يستحون بطبيعتهم، والأدهى أن هذا لو حصل افتراضاً وتم نشر وانتشار قصة الدكتور غلماني على الفضاء الإلكتروني وتعثرت أنا بصفحة من الصفحات التي تتبنى القصة ولها متابعون بالآلاف، وقمت بتوضيح حقيقة أنها مِن تأليفي، فسيتم رجمي إلكترونياً بأسوأ الصفات وربما أصل إلى حكم الردة الإقصائي في محاكم التفتيش الإلكترونية. العالم افتراضي، رغم كل ما فيه من أكاذيب، فهو ينطوي على كثير من الحقائق المستندة إلى العلم، والبحث عن الحقائق العلمية له منهجيته المعرفية الواضحة.. فلنحذر من تلك الفخاخ كي نحافظ على العقل واتزانه.

*كاتب أردني مقيم في بلجيكا