في 13 سبتمبر 1993، تصافح رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين والزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض بحضور الرئيس بيل كلينتون. وكان الزعيمان في واشنطن لإضفاء الطابع الرسمي على اتفاقيات أوسلو التي تم التفاوض عليها في أغسطس للإعلان عن بداية جديدة في العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية تؤدي إلى إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي. وفي العام ذاته (أي 1993)، كانت الدبلوماسية الأميركية في صعود واضح على مستوى الشرق الأوسط.

وقبل ذلك بعامين، في ربيع عام 1991، جمعت الولايات المتحدة وتحالفٌ من المؤيدين، بما في ذلك أعضاء آخرون في حلف شمال الأطلسي (الناتو) ودول عربية كبيرة، قوةً عسكرية ضخمة لطرد القوات العراقية من الكويت التي احتلتها في أواخر صيف عام 1990. وكان التأييد للعمل الذي قادته الولايات المتحدة واسعَ النطاق. ووافق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على العملية وكان الاتحاد السوفييتي شريكاً داعماً.

وفي أعقاب الحرب القصيرة التي أطلق عليها اسم «عاصفة الصحراء»، دعا الرئيس جورج بوش الأب، في خطاب حالة الاتحاد أمام الكونجرس الأميركي، إلى «نظام عالمي جديد» يبشر بعصر جديد من السلام في الشرق الأوسط. وفي نهاية عام 1991، أدت التطورات الهائلة إلى تفكك الاتحاد السوفييتي.

وهذا يعني نهاية الحرب الباردة. وطوال فترة التسعينيات، كانت الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة، وأصبحت هذه الحقبة تُعرف باسم لحظة «أحادية القطب»، أي الانفراد الأميركي. لكن القرن الجديد أنهى هذا الوضع بسرعة. وأدت هجمات تنظيم «القاعدة» على الولايات المتحدة في 11 سبتمبر 2001، والحروب التي قادتها الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق، إلى تراجع القوة الأميركية في الشرق الأوسط. وظهرت بوادرُ عودة روسيا إلى المنطقة وتنامي علاقات الصين الاقتصادية مع حاجتها المتزايدة للوقود الأحفوري لدعم نموها الاقتصادي المزدهر. أما التغيير الاستراتيجي المهم الآخر في المنطقة فكان تنامي الدور المؤثر والمستقل لدول الخليج العربية، والتوترات المتزايدة بين واشنطن وطهران، لا سيما بسبب البرنامج النووي للأخيرة.

ورغم أن تركيا تواجه مشاكلَ اقتصادية، فإنها تظل لاعباً قوياً كما يتضح من دورها الرئيسي في البحر الأسود وقدرتها على العمل كوسيط بين روسيا وأوكرانيا. والواقع أن حرب أوكرانيا هي التي تقدم المثال الأكثر وضوحاً لكيفية تغير المخاطر الاستراتيجية في الأعوام الثلاثين الماضية. فهناك قلة فحسب من المحللين اعتقدوا أننا في هذا القرن سنشهد حرباً برية في أوروبا لم نشهد مثيلَها منذ عام 1945 بتكتيكات تذكرنا بالحرب العالمية الأولى.

وما يحدث في هذه الحرب المستمرة له بالفعل آثارٌ بعيدة المدى في بقية أنحاء العالم، بما في ذلك الشرق الأوسط. فقد تسبب تعطل الصادرات الغذائية الحيوية، وخاصة الحبوب وزيت الطهي من روسيا وأوكرانيا، في مصاعب كبيرة للبلدان المستوردة للغذاء، بما في ذلك تركيا ومصر وتونس والمغرب. وأصبحت إيران حليفاً عسكرياً لروسيا وتفاقمت علاقاتها العدائية مع دول «الناتو».

وكلما طال أمد الحرب، أصبحت تداعياتها على أوروبا والشرق الأوسط أشد خطراً. ومما يزيد تعقيدَ هذه الأزمة أن الاضطرابات الداخلية في إسرائيل بين حكومة بنيامين نتنياهو وأحزاب المعارضة الإسرائيلية تهدد بإضعاف البلاد في الوقت الذي كانت تأمل فيه تحسين العلاقات مع الجيران العرب، وربما إقامة علاقات دبلوماسية مع معظم الدول العربية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الاضطرابات الجديدة للفلسطينيين في الضفة الغربية تضيف خطراً جديداً.

والخبر الجيد الوحيد على هذه الجبهة هو أن أحزاب الوسط الإسرائيلية التي كانت تغط في سبات انتبهت إلى المخاطر وأصبحت عازمة على منع جهود نتنياهو الرامية إلى تغيير الدستور الإسرائيلي جذرياً. لكن على عكس ما حدث في التسعينيات، لم يعد بمقدور الولايات المتحدة أن تكون المؤثر الرئيسي في الأحداث في المنطقة. ويتعين على بلدان أخرى لعب دور أكثر أهميةً، وهذا تطور مشجع.

*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشونال انترست»- واشنطن