يواجِه القطاع الزراعي العالمي تحديات جمَّة فيما يخص تلبية متطلبات المستقبل، تتمثل في زيادة عدد السكان، وندرة الموارد الطبيعية، والتغيُّر المناخي، فضلاً عن الهدر الحاصل في الأغذية، ما يفاقم مشكلات الجوع ونقص الغذاء. وتتطلَّب مواجهة هذه التحديات إحداث تغيير جذري في النظام الغذائي العالمي، تشارك فيه الحكومات والمستثمرون على حد سواء، استناداً إلى الزراعة الذكية، والتقنيات الزراعية المبتكَرة، أو ما تُسمَّى الثورة الزراعية الرابعة (الزراعة 4.0).

وتُحدِث الزراعة الذكية ثورة في ممارسات الزراعة التقليدية، وتقوم على نهج مبتكَر يستخدم التقنيات المتقدمة، مثل الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، وتكنولوجيا المعلومات، وكذا دَمْج أجهزة استشعار درجات الحرارة والرطوبة، وأجهزة التحكم والروبوتات في الاستخدامات الزراعية والإنتاج، ما يُعد قوة دافعة للابتكار الزراعي، ويجعل الأراضي الزراعية أكثر ربحاً، وكفاءة، واستدامةً، ومراعاةً للبيئة.

ويتمثَّل أحد أبرز الجوانب الحاسمة للتوجه إلى الزراعة الذكية في تركيزها على عوامل الاستدامة، إذ يتيح الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء للمزارعين تنفيذ ممارسات مستدامة تعزز الاستخدام الفعَّال للموارد وتقليل التأثير البيئي، في حين تُمكّنهم أجهزة الاستشعار والخوارزميات، التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، من مراقبة مستويات رطوبة التربة بدقَّة، ومحتوى المغذيات، وانتشار الآفات، ما يعني استخدام الكميَّة المناسبة من المياه والأسمدة والمبيدات عند الضرورة فقط، وتقليل النفايات والآثار الضارة بالبيئة.

وتسمح مراقبة الأحوال الجوية بأجهزة استشعار تدعم إنترنت الأشياء للمزارعين بتحسين جداول الري ومنع إهدار المياه وزيادة الإنتاجيَّة، إذ تستطيع خوارزميات الذكاء الاصطناعي تحليل بيانات أجهزة الاستشعار، وتزويد المزارعين برؤى مستنيرة قابلة للتنفيذ بشأن الزراعة، والحصاد، وتناوب المحاصيل، وزيادة العائدات مع تقليل استخدام الموارد.

وتشهد دولة الإمارات العربية المتحدة توسعاً في القطاع الزراعي منذ تسعينيات القرن الماضي، ولكنَّ الاعتماد على المياه الجوفية ظلَّ يمثل تحدياً كبيراً لها بسبب مناخها الصحراوي القاحل وارتفاع درجات الحرارة وقلَّة هطول الأمطار فيها، وأظهرت دراسة علميَّة عن الزراعة المائية في الدولة أن المياه المستخدَمة في زراعة المحاصيل، مثل الطماطم والفلفل الحلو، موجَّهة في المقام الأول إلى التبريد بدلَ الري، وأن التبريد المفرط بسبب البيئة الصحراوية، ولا سيَّما في فصل الصيف، هو التحدي الأكبر للزراعة المائية، وقد دفعت هذه العوامل وعوامل أخرى منها ملوحة التربة، وانخفاض مساحات الأراضي الصالحة للزراعة وارتفاع تكاليف الإنتاج، دولة الإمارات إلى التوجه نحو الزراعة الذكية بصفتها حلّاً رائداً لاستدامة قطاع الزراعة والتغلب على المعوقات المناخية وغير المناخية.

وتبنَّت دولة الإمارات تقنيات حديثة ذات كفاءة عالية في الزراعة، منها الزراعة المحمية والعمودية، والزراعة المائية (من دون تربة)، والزراعة في بدائل التربة، والزراعة باستخدام البيت الشبكي (Net house) المعتمِد على الطاقة الشمسية، ونجحت في إجراء تجارب زراعية نوعية، وتطبيق ممارسات زراعية مبتكرة أسفرت عن تعزيز الإنتاج الزراعي، والتعامل بفاعليَّة مع ندرة المياه الصالحة للزراعة، واستنزاف المخزون الجوفي، والتغير المناخي.

ونظراً إلى أن المزارع العمودية تُعد حلّاً واعداً يسهم في تحقيق الأمن الغذائي، خطَتْ دولة الإمارات خطوات كبيرة في تطوير هذا النوع من الزراعة، ودشَّنت إمارة أبوظبي -أخيراً- أكبر مزرعة في العالم للزراعة العمودية الداخلية، وتستهدف هذه المزرعة - إضافة إلى مواجهة تحديات سلاسل توريد المنتجات الزراعية - إجراء بحوث علمية لتطوير الجيل التالي من حلول الزراعة المستدامة في البيئات القاحلة والصحراوية.

وتمثل واحات ليوا في المنطقة الغربية وواحات العين في المنطقة الشرقية من إمارة أبوظبي شاهداً على الإرث الزراعي الناجح لدولة الإمارات العربية المتحدة على صعيد تعزيز الأمن الغذائي والتنوع البيولوجي والثقافي، واعترفت منظمة الأغذية والزراعة (فاو) بأهمية هذه الواحات، ومنحَتْها شهادة «جياس» بصفتها نظاماً زراعيّاً ذا أهمية عالمية، ويُعد تراثاً إنسانيّاً للجيل الحاضر وأجيال المستقبل.

وتُسابِق دولة الإمارات الزمن في تطوير ممارسات زراعية ذكية مناخيّاً، في إطار سعيها إلى تحقيق هدفها الاستراتيجي بالوصول إلى الحياد المناخي بحلول عام 2050، ومستهدفات الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي بحلول عام 2051، ما يضمن تحقيق الأهداف الثلاثة للاستدامة الزراعيَّة المتمثلة في زيادة الإنتاج والعائد الاقتصادي من الزراعة، والتكيُّف مع التغير المناخي، والحد من انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري.