لم يكن حضور اللبنانيين ممتازاً في بطولة كأس العالم لكرة السلة المقامة حالياً في اليابان والفلبين وإندونيسيا، فقد خسر منتخبهم في دوري المجموعات ثلاث مباريات على التوالي من لاتفيا وكندا وقبل يومين من فرنسا. خرجوا من البطولة على جناح السرعة، وربما يكونون، قبل كتابة هذا المقال أو بعده بقليل، قد عادوا إلى لبنان على جناح خطوطهم الجوية الوطنية.

لا شيء في لبنان يدعو للتفاؤل هذه الأيام، فالرئيس لم يأت بعد على أي جناح كان، وطائر الاقتصاد تكسرت أجنحته واستعذب الانزواء بعيداً عن العيون في أحراش لا يدخلها أحد، والتجاذب السياسي بين الفرقاء يطير فوق الشعب بأجنحة صقر، ويقتات من قوت الفقراء والمساكين والضعفاء بمنقار غراب.

لا شيء يدعو للتفاؤل في لبنان، وحده المنتخب الوطني لكرة السلة استطاع في أيام قليلة أن يجمع قلوب اللبنانيين في مزهرية ورد واحدة. كل الطوائف اللبنانية الثماني عشرة اجتمعت على حب كل اللاعبين.

مفردات الشعب التي استمرأت الخلاف والاختلاف على أبسط الأمور، اتفقت على دعم مجموعة لاعبين مختلطين تتباين معتقداتهم وتختلف مذاهبهم. صحيح أن المنتخب خسر مبارياته الثلاث وخرج من البطولة، وصحيح أن أداءه لم يكن بالصورة التي توقعها محبوه، لكنه على أضعف الإيمان خسر بشرف، وأثبت للعالم أن بلاد الفينيقيين قادرة متى ما أرادت على بعث طائر الفينيق من بين أكوام الرماد، وأثبت قبل ذلك أن اللبنانيين في طبيعتهم متحدون ومتصالحون فيما بينهم، وأن ما يجمعهم أكثر مما يفرقهم، وأن اتفاقهم فطري، بينما اختلافهم مصطنع.

مشاركة المنتخب اللبناني في بطولة كأس العالم، تجعلني أفكر في مسألتين مهمتين. الأولى تتمثل في قدرة اللبنانيين على اختراع ما يوحدهم، وبالتالي فعليهم تطبيق هذه القدرة على أرض الواقع. ليس عليهم أن يستأذنوا قياداتهم السياسية أو مراجعهم الدينية كلما فكروا في اختراع أداة جديدة للاتحاد! عليهم فقط أن ينظروا إلى بعضهم البعض ويقرروا أن يفعلوا ذلك بأنفسهم عبر كياناتهم المدنية وأحدها الاتحاد الرياضي اللبناني لكرة السلة. في لبنان الشعب قادر على اختراع مئات، بل آلاف الأدوات الموحدة، والتي سيكون بمقدورها بلا شك إخراج الاقتصاد الخائف من الأحراش ونفي الصقر ذي المنقار الغرابي.

المسألة الثانية، هي القابلية لأن تكون بطلاً! المنتخبات اللبنانية لكرة القدم أو الطائرة أو اليد حالها من حال متوسطات لبنان: «على قد الحال»، فيما كرة السلة اللبنانية تُعد من الفرق المتطورة جداً في هذه اللعبة على المستوى العربي والآسيوي. والسؤال هنا، لماذا يتوارث اللبنانيون جيلاً بعد جيلاً التفوق في كرة السلة، ولا يتوارثونه في كرة الطائرة مثلاً؟

هل الأمر يعود لحضور الموهبة أم يعود لثقافة التفوق نفسها؟ وبالمناسبة هذه مسألة ليست خاصة بكرة السلة في لبنان فقط، فكرة الطائرة في كوبا، دون غيرها من الألعاب الأخرى، في الصفوف الأولى للعبة عالمياً، بولندا كذلك في كرة اليد، والأمثلة الأخرى كثيرة. وما ينطبق على الرياضة ينطبق على المجالات كافة. لماذا يتميز هذا البلد في مجال معين دون المجالات الأخرى؟ وجود المواهب مهم بلا شك، لكنه ليس العامل الأكبر. ما يصنع الفارق هنا، هو تراكم الوعي بالتفوق، وهذا ما يمكن أن أسميه «القابلية لأن تكون في المقدمة»، مع تقديري وحبي للمفكر الجزائري مالك بن نبي.

*كاتب سعودي