في صباح أحد الأيام القليلة الماضية، تحدثت إلى مؤتمر لجمعية العلوم الإقليمية في أليكانتي بإسبانيا. واستخدمت حرف الجر «إلى»، وليس «في» لأنني لم أتمكن من الحضور شخصياً، نظراً لالتزاماتي العائلية. ومن ثم كان حضوري عبر «زووم» من المنزل وهو ما أصبح مألوفاً في السنوات الثلاث الماضية. وكان عنوان كلمتي: «هل ما زالت الجغرافيا الاقتصادية الجديدة حية وبخير في عام 2023؟». وإليكم بعض المعلومات الأساسية، الجغرافيا الاقتصادية هي دراسة المكان الذي يقوم فيه الناس بأعمالهم وسبب ذلك. والمصطلح قائم منذ فترة طويلة جداً.

وتشير الجغرافيا الاقتصادية «الجديدة» إلى طريقة معينة في التعامل مع الموضوع تستفيد قدر الإمكان من النماذج الاقتصادية الرسمية المبسطة. وكانت ورقتي الأكاديمية الأكثر استشهاداً بعنوان «زيادة العائدات والجغرافيا الاقتصادية»، التي نُشرت عام 1991، واحدة من أوائل الأعمال في هذا المجال.

وربما تكون أهم رؤية من الجغرافيا الاقتصادية الجديدة هي أن هناك دائما توتراً بين قوى التكتل التي تميل إلى جعل النشاط يتكتل معاً، وقوى الطرد المركزي التي تميل إلى نشره. ويمكن للتغيرات في التكنولوجيا أن تدفع الاقتصاد إلى نقطة تحول في أي من الاتجاهين، مما يؤدي إلى تحويل المكان الذي نعمل ونعيش فيه.

وهكذا، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، أدى ظهور الإنتاج الصناعي على نطاق واسع الذي أعطى الصناعة حافزاً للتركيز بالقرب من أكبر الأسواق، والسكك الحديدية، التي سهلت على المزارعين البعيدين إطعام سكان المناطق الحضرية، إلى ظهور «حزام التصنيع»، وهو تركز الصناعة في الشمال الشرقي والغرب الأوسط الداخلي. ومع ذلك، في وقت ما في عشرينيات القرن العشرين تقريباً، اكتسبت قوى الطرد المركزي اليد العليا. وأدى النقل بالشاحنات إلى تقليل أهمية التواجد بالقرب من مركز السكك الحديدية، في حين أدت الكهرباء إلى إعادة تصميم المصانع وحلت المباني مترامية الأطراف من طابق واحد محل المصانع الضخمة، ومن الأفضل ألا تقع في مناطق حضرية كثيفة السكان. وهكذا انتشرت الصناعة والثروة.

وتلاشى حزام التصنيع تدريجياً، وبشكل عام، ضاقت الفوارق في الدخل عبر الولايات المتحدة بمرور الوقت. وبطريقة ما، أصبحت الجغرافيا الاقتصادية للولايات المتحدة أقل إثارة للاهتمام. وكان هناك أيضاً اهتمام كبير بالصين التي كان صعودها كقوة صناعية عظمى مصحوباً بنمو التجمعات الصناعية التي تذكرنا بتلك التي كانت بارزة في أميركا في عام 1900 تقريباً.

لكن مهلاً، فالقصة لم تنته بعد. وفي عام 1980 تقريباً، تغيرت القوى المحركة للجغرافيا الاقتصادية مرة أخرى، مع ظهور اقتصاد المعرفة. وأرادت الشركات كثيفة الاستخدام للتكنولوجيا، سواء كانت تعمل بشكل صريح في قطاع التكنولوجيا أم لا، الوصول إلى مجموعة كبيرة من العمال ذوي التعليم العالي، وهو ما يعني بشكل عام التواجد في المناطق الحضرية الساحلية الكبيرة.

واجتذبت فرص العمل المتزايدة في هذه المناطق عدداً متزايداً من العمال ذوي التعليم العالي، وبالتالي بدأت الفوارق بين المناطق في الاتساع مرة أخرى. وبينما كانت المدن الساحلية المتروبوليتانية الكبيرة تزدهر، ظلت أجزاء كبيرة من الولايات المتحدة، وخاصة ما أطلق عليه بعض الاقتصاديين «قلب الشرق» متخلفة عن الركب. ثم جاء فيروس كورونا.

ولبضعة أشهر في عام 2020، بدا الأمر كما لو أن الكثافة السكانية نفسها قد تكون مصدراً رئيسياً للعدوى. لكن بمجرد أن عرفنا مزيداً عن المرض، وخاصة بعد توفر اللقاحات، اختفى هذا القلق. لكن كوفيد فعل شيئاً آخر. فقد جعلت التكنولوجيا العمل عن بعد ممكناً بعد أن تمكن عدد كبير من الأشخاص من الوصول إلى الإنترنت عالي السرعة.

لكن هذه الإمكانية لم تُستغل إلى حد كبير حتى أجبر الخوف من العدوى كثيراً من العمل على تنفيذه عن بُعد. وبمجرد حدوث ذلك، وصل العمل عن بعد إلى مرحلة مهمة. فقد تعلم ملايين العمال كيفية التفاعل عبر الإنترنت ووجدوا أن زملاءهم في العمل يفعلون الشيء نفسه. وعلى العموم، أحبوا ذلك لأسباب واضحة تمثلت في عدم الحاجة للتنقل وسهولة إدارة التوازن بين العمل والحياة، وما إلى ذلك.

ونتيجة لذلك، وعلى الرغم من عودة الحياة لطبيعتها، في كثير من النواحي، ما زال كثيرون من الناس يعملون من المنزل، وما زال إشغال المكاتب منخفضاً. فهل يمثل هذا بداية تراجع مستمر في المدن الكبيرة؟ لا أعتقد ذلك. على الرغم من أن العمل عن بعد موجود ليبقى، لكن هناك فرقاً كبيراً بين العمل عن بعد تماماً، حيث لا تزور المكتب أبداً، والعمل المختلط الذي يتضمن العمل من المنزل يومين أو ثلاثة أيام فقط في الأسبوع.

ويمكن القيام بالعمل عن بعد بالكامل من أي مكان، وقد تتوقع أن ينتقل عدد كبير من العاملين عن بعد تماماً إلى المدن الأصغر التي توفر وسائل الراحة الحضرية مثل وسط المدينة الذي يمكن المشي فيه.

ومع ذلك، تشير الدلائل المبكرة إلى أن العمل عن بعد بالكامل سيظل جزءاً صغيراً إلى حد ما من القوى العاملة. ومما رأيته، أصبح كل من أصحاب العمل والعمال يدركون بشكل متزايد قيمة التواصل الاجتماعي أثناء التواجد في المكاتب، على الأقل لبعض الوقت. وما زال العمال الهجين بحاجة إلى العيش داخل منطقة التنقل الرئيسية في المدن المتروبوليتانية.

وقد يؤدي ظهور العمل المختلط إلى تعزيز مزايا المدن المتروبوليتانية العملاقة أو ربما بشكل أكثر دقة تقليص عيوبها الرئيسية. وبعد كل شيء، أحد المتاعب الرئيسية للعمل في مكان مثل مدينة نيويورك هو وقت وكلفة التنقل. ولا يتعين على الموظفين الذين يخلطون بين العمل من المنزل والعمل في المكاتب التنقل بقدر ما يفعل العاملون بدوام كامل في المكاتب.

وبدلاً من ذلك، يمكنهم الابتعاد عن وظائفهم، والحصول على سكن أرخص، في حين يتنقلون لمسافات أطول، لكن في أيام أقل. فهل ستزيل التكنولوجيا الجديدة الميزة التي اكتسبتها المدن المتروبوليتانية العملاقة في الجيل الماضي؟

لن يحدث هذا على الأغلب. وقد يفرض تغييرات كبيرة في بنيتها الداخلية، وماذا سنفعل بكل تلك المساحات المكتبية الزائدة؟ لكن في هذه المرحلة، لا أرى أننا نمر بانقلاب تاريخي آخر في جغرافيا الاقتصاد.

*أكاديمي أميركي حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»

Canonical URL: https://www.nytimes.com/2023/09/01/opinion/cities-zoom-return-to-office.html