نظمت منذ أيام مظاهرات حاشدة في باريس وعدد من المدن الفرنسية شارك فيها الآلاف من الأشخاص ضد ما سموه «عنف الشرطة»، كما اندلعت بعض الاشتباكات بين متظاهرين وقوات الأمن الفرنسية، وهتف المتظاهرون بتظاهرات من قبيل: «الشرطة في كل مكان، ولا عدالة في أي مكان»، و«لا عدالة بدون سلام»، و«العدالة لنائل». ونائل هو المراهق الذي قُتل في 27 يونيو الماضي قرب العاصمة الفرنسية بعد محاولة الشرطة توقيفه حاجز تدقيق مروري، في واقعة أثارت مجموعةً من أعمال الشغب في البلاد.

ولاحظ المتتبعون أن المتظاهرين رفعوا شعارات تطالب بالحفاظ على الحريات العامة والمكاسب الاجتماعية للشعب الفرنسي، متهمين حكومة بلادهم بالتساهل مع الخطاب العنصري لأحزاب اليمين المتشدد.

وفي شهر أغسطس الماضي، انتقدت «لجنة القضاء على التمييز العنصري» التابعة للأمم المتحدة الممارسةَ المتواصلةَ في فرنسا متمثلةً في «التنميط العنصري المقترن بالاستخدام المفرط للقوة في تطبيق القانون، وخاصة من جانب الشرطة ضد أفراد الأقليات، بما في ذلك الأشخاص من أصل أفريقي وعربي».

وهذه الأعمال الموصوفة لدى المحتجين بـ«العنصرية» لا تَسلَم منها العديد من الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية، حيث دائماً ما تشهد احتجاجات عارمة تشعل فتيلَها حوادث وفيات بعض الأميركيين ذوي البشرة السوداء، مثل ما وقع مع جورج فلويد، المواطن الأعزل الذي قضى خنقاً تحت ركبة شرطي أبيض أثناء توقيفه في مينيابوليس، مما يعيد كل مرة مسألة العنصرية المتجذرة في البلاد ويحيي الجدلَ الحسّاسَ حول إرث العبودية في البلاد كما تجسّده نُصب تذكاريةٌ تمجّد الجيش الكونفيدرالي ويطالب كُثر بإزالتها. ويمكن أن نشير هنا أيضاً إلى تقرير نشره منذ مدة بنك «سيتي جروب»، لنرى كيف أن هذا التمييز بين البيض والسود مازال متجذراً في المجتمع الأميركي، وكيف أضحت سياسات التمييز العنصري عائقاً أمام ازدهار الاقتصاد الأميركي، مضيعةً عليه تريليونات الدولارات خلال العقدين الأخيرين.

وقد بَينت دراساتٌ سابقةٌ نشرتها شركة الاستشارات الاقتصادية «ماكينزي» أن «الأميركي من أصل أفريقي يكسب مليون دولار أقل من المواطن الأبيض على مدى حياته». ولاحظ اقتصاديو «سيتي جروب»، بعد دراسة البيانات التي جمعوها من الاحتياطي الفيدرالي ومكتب التعداد السكاني، أن الفروق في الأجور «لم تتقلص منذ أوائل العقد الأول من القرن الحالي».

كما يستفاد من التقرير أن فشل السياسات في مكافحة التمييز في أماكن العمل، منذ 20 سنة، قد أسفر عن تضييع «مبلغ ضخم للغاية تصل قيمته إلى 2700 مليار دولار». عندما نشاهد ما يقع في هذه البلدان الغربية من سياسات مقترنة بالاستخدام المفرط للقوة في تطبيق القانون، خاصة من جانب الشرطة، ضد أفراد الأقليات، وخاصة ضد السود والعرب، وتوجهات توصف على نطاق واسع بـ«العنصرية»، نخرج بقناعة مفادها أن العنصرية ربما تكون متجذرة في هذه المجتمعات، رغم أنها ما فتئت تمنح نفسَها الحقَّ في تنقيط دول العالم في مجال حقوق الإنسان والحريات العامة!