عندما نتحدث عن الانتخابات علينا أن نسلِّط الضوء على المفهوم الأساسي؛ بصفتها الآلية التي تصل بها النخبة إلى المواقع القيادية؛ وبناءً على ذلك نميِّز بين «التصويت» لمَن نريد، أو لمَن نحب، أو للمعارف والأقارب، إلى آخر ذلك من التحيُّزات الشخصية، و«الانتخاب» الذي ينتهي بإيصال النُّخب القادرة على إحداث التغيير والتحديث. والانتخابات النيابية التي ستشهدها دولة الإمارات العربية المتحدة خلال شهر أكتوبر المقبل هي مناسبة استثنائية ومحطة مفصلية؛ لإيصال النخبة القادرة على تحويل الحدث الانتخابي إلى مرحلة تطوير حقيقية.

ويتمثَّل الهدف الرئيس من هذه الانتخابات في أن يتحول الانتخاب محطةً تأسيسيةً ترتقي بنا إلى محطات جديدة، وهنا تحديدًا تكمن أهمية وعي الناخب بعملية الانتخاب وآلياته؛ من أجل إيصال النخبة القادرة على إحداث فرق، وترك بصمة، بل بصمات.

ولا أبالغ حين أقول إن الإمارات تعيش حالة انتخاب منذ عهد المغفور له -بإذن الله- الأب المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -رحمه الله-، الذي قاد بعقلية مؤسساتية نخبةً استطاعت النهوض بالإمارات، وأفرز وعيه الباكر بمفهوم السياسة، بصفتها عملية إدارة وتطوير، حالةً من الحكم الرشيد أثَّرت في ذهنية الإدارة في الإمارات، وتجلَّت واقعًا في مبادرة التمكين السياسي التي أطلقها المغفور له -بإذن الله- الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وصولًا إلى البصمة الواعدة والمميزة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة -حفظه الله-. وقد يُفاجَأ بعضهم ممَّا سأقول، ولكن أرجو أن تنتبهوا إلى جوهر حديثي؛ لأنه نابع من فكرة لا مجاملة فيها؛ وهي أن أهم عملية انتخاب في الإمارات كانت التعيينات الرسمية.

وقد يستغرب بعضهم وجهة نظري؛ إذ إن التعيين هو عكس الانتخاب؛ ولكنَّ التعيين عندنا، سواء في الوزارات أو الإدارات، وغيرها، كان عملية انتخاب بامتياز للنخب التي قادت الإمارات من إنجاز إلى آخر، في الرقي الاجتماعي والتقدم العمراني والتطور الإداري، والأمثلة لا تكاد تنتهي. وقد أوصل هذا النموذج بلادنا إلى المركز الأول في مجالات عديدة، ولا سيَّما التعليم والرعاية الصحية، وكانت جائحة كورونا خير دليل على ذلك. كما أوصلنا هذا التعيين إلى الفضاء، ووضع جواز السفر الإماراتي في المراكز الأولى عالميًّا؛ فتقدَّمنا على دول تفوقنا حجمًا، وعددًا، وثرواتٍ، وإمكانياتٍ، وظروفًا طبيعية، ومناخية، وتحوَّلت صحراء بحرارة لا تُحتَمل ورطوبة عالية، كما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، إلى واحد من أهم المراكز السياحية في العالم. وإنه «التعيين الانتخابي» الذي يكمن فيه سر الحكم الرشيد، وهو الحكم الذي نقلنا من حال إلى حال، وسيَّرنا من محطة إلى محطة، إلى أن وصلنا إلى ما نحن فيه من مكانة مرموقة بين الأمم، ليس في المحيط الإقليمي فحسب، بل في المحيط العالمي أيضًا؛ حيث صرنا من الوجهات الأولى عالميًّا في الأمن والرفاهية والعيش الكريم.

واليوم يأتي دورنا، بصفتنا مواطنين؛ لنكمل العمل الانتخابي بكل معناه؛ فنوصل عبر التصويت، النخبَ التي تكمل عمل سابقاتها التي وصلت عبر «التعيين الانتخابي». وهنا نحن أمام تحدٍّ وامتحان: أمَّا التحدي فهو الانتخاب الحقيقي المسؤول؛ وأمَّا الامتحان فهو انتخاب نصفِ مجلسٍ يتفوَّق على النصف المعين؛ لنثبت أن الحق الذي نمارسه هو استحقاقٌ بجدارة؛ من أجل إيصال أهل الجدارة؛ فنكون بذلك قد أدَّينا المهمة، وأكملنا حلقةً عنوانها الانتخاب الحقيقي.

*رئيسة مجلس إدارة مؤسسات الشيخ محمد بن خالد آل نهيان الثقافية والتعليمية.