بعد مرور عشرة أسابيع على إنشائها، تحاول منصة «ثريدز» التابعة لشركة «ميتا» جاهدةً تجنّبَ الخلاف حول المحتوى الذي تسمح به على موقعها. وبعد أن أضافت «ميتا» أخيراً خاصيةً لتمكين البحث عن الكلمات الرئيسية، فوجئ المستخدمون الذين يبحثون عن منشورات حول عدة مواضيع مهمة، مثل «كوفيد»، بعدم ظهور أي نتائج.

بالطبع كانت هناك منشورات تحتوي على هذه الكلمة، لكن «ميتا» تجعل العثورَ عليها أكثر صعوبةً (بدلاً من توجيه المستخدمين إلى موقع مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها). ولتجنب المخاطرة بأن يعثر المستخدمون على شيء يحتمل أن يكون خطيراً أو غير صحيح على «ثريدز»، قررت شركة «ميتا»، المنافسة لمنصة «إكس» (المعروفة سابقاً باسم تويتر)، أنه من الأفضل لها عدم رؤية أي شيء على الإطلاق.

واعترفت «ميتا» بحظر بعض المواضيع على «ثريدز»، لكنها رفضت مشاركةَ قائمة الكلمات المحظورة. وبالإضافة إلى «فيروس كورونا» و«اللقاح» و«كوفيد طويل الأجل».. اكتشفت صحيفة «واشنطن بوست» أن كلمات «الجنس» و«العري» و«الدموية» و«الإباحية» محظورة.

وبعدئذ قالت ميتا في بيان: «لا توفر خاصية البحث مؤقتاً نتائجَ للكلمات الرئيسية التي قد تَعرض محتوى يحتمل أن يكون حساساً. سيتمكن الأشخاص من البحث عن كلمات رئيسية مثل (كوفيد) في التحديثات المستقبلية بمجرد أن نكون واثقين من جودة النتائج». لكنه حل معيب للمشكلة المستعصية المتمثلة في الاضطرار إلى التعامل مع سلامة المنصة وإدارة المحتوى المشحون سياسياً في المناخ الحالي. إن قرارات المحكمة المتناقضة والاتهامات المستمرة بالتحيز والتقاعس عن العمل جعلت هذا الحذر أمراً لا مفر منه. ونظراً لأنه لم يتبق سوى أقل قليلاً من عام على إجراء الانتخابات الرئاسية، يمكن القول إننا بعيدون كل البعد عن الإجابة عن السؤال: مَن الذي يحق له أن يقرر ما هو مسموح به على وسائل التواصل الاجتماعي؟

لذا ليس من المستغرب أنه بعد أن بَذلت جهوداً كبيرة في السابق لوضع سياسات لإرضاء (أو ربما استرضاء) الجميع، فإن أحدث نهج لشركة ميتا هو محاولة تفادي المحادثة قدرَ الإمكان. خذ بعين الاعتبار الحكمَ الصادر عن محكمة الاستئناف بالدائرة الخامسة في الولايات المتحدة قبل بضعة أيام من الآن، حيث أيد ثلاثة قضاة «جمهوريين» وجهةَ نظر محكمة سابقة مفادها أن البيت الأبيض ومسؤولي الصحة الحكوميين ومكتب التحقيقات الفيدرالي جميعهم انتهكوا على الأرجح التعديل الأول للدستور من خلال مطالبتهم لشركات التواصل الاجتماعي بإزالة المنشورات المتعلقة بكوفيد-19 وانتخابات 2020، وهو ما يعني «السيطرة» فعلياً على عمليات صنع القرار الخاصة بهم. ووصفت تقارير إعلامية الحكم بأنه «انتصار واضح للمحافظين»، الأمر الذي أذهلني باعتباره غريباً، فأنا أتفق معه، لكني لستُ محافظاً.

ومن المؤكد أن الرسائل القاسية الموجهة إلى موظفي «ميتا» من مدير استراتيجية البيت الأبيض في ذلك الوقت، روب فلاهيرتي، وضمنها قوله: «أريد إجابة حول ما حدث هنا وأريدها اليوم»، تجاوزت الحدود بالتأكيد، وانتهكت حق «ميتا» في إدارة أعمالها بالطريقة التي تراها مناسبة.

لكن قطع الاتصال تماماً سيكون عملاً غير مسؤول. وبالتالي، فإن حكم الدائرة الخامسة الأكثر منطقية، والأضيق نطاقاً بكثير من أمر المحكمة الابتدائية، جعل من القانوني مرةً أخرى بالنسبة للبيت الأبيض، والوكالات الأخرى، الانخراطَ مع الشبكات بشأن مسائل ضبط المحتوى، طالما أن الطلبات لا تنطوي على «تشجيع كبير» على التصرف. وهذا منصف بما فيه الكفاية. على الأقل، هذا هو رأيي، وربما تختلف معي فيه.

وقد تَشعر أن هذه المتاعب كانت مبررة إذا كان ذلك يعني منع المعلومات المضللة أثناء الوباء وأن المنصات الإلكترونية ذات الانتشار الهائل عليها واجب الانصات إلى المسؤولين المنتخبين المكلفين بحماية المواطنين في أوقات الأزمات. قد تكون وجهة نظرك أيضا هي أن الوكالات الحكومية، مع اقترابنا من انتخابات العام المقبل، يجب أن تكون قادرةً على التدخل بسرعة للتأكد من أن الجمهور لديه جميع المعلومات التي يحتاجها للإدلاء بصوت مستنير، خاصة أن بعض الشبكات الاجتماعية لديها سجل ضعيف بشأن حماية نزاهة الانتخابات.

ما هو شعورك، على سبيل المثال، تجاه القوانين التي أقرها الجمهوريون في تكساس وفلوريدا، والتي تسعى إلى إجبار الشبكات الاجتماعية على نشر خطاب سياسي بعينه؟ يقول مؤيدو هذا المطلب، مثل حاكم فلوريدا والمرشح الرئاسي رون ديسانتيس، إن الشركات في وادي السليكون الليبرالي لا يمكن الوثوق بها في استضافة آراء المحافظين الذين يترشحون للمناصب بشكل عادل. إن إجبار شركات التواصل الاجتماعي على عرض مواد لا تجدها مقبولةً بموجب سياساتها الخاصة هو أمر مبالغ فيه.

ويوافق على هذا «اتحاد الحريات المدنية» الأميركي، وكذلك الدائرة الحادية عشرة التي اعتبرت قانون فلوريدا غير دستوري في معظمه. ومع ذلك، فإن الدائرة الخامسة، وهي المحكمة نفسها التي تقول الآن إن الحكومة لا يمكنها المطالبة بإزالة المنشورات، أيدت في السابق قانون تكساس الذي يجبر الشركات على الاحتفاظ بالمشاركات. إذا كنت تعمل في إدارة شبكة اجتماعية، فهذه فوضى غير قابلة للتنفيذ.

وهذا دون الخوض في دعوات لإصلاح القسم 230، وهو القانون الذي يمنح المنصات، في الوقت الحالي، طبقة من الحماية القانونية على المحتوى الذي تستضيفه. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»

ديف لي*

*كاتب صحفي متخصص في التكنولوجيا