تشكّل ظاهرة الهجرة غير الشرعية أزمة عالمية، لكنها ما تزال تتفاقم، ويذهب ضحيتها الآلاف سنوياً غرقاً أو عطشاً وجوعاً.

ووفق التقارير الدولية ارتفعت أعداد القتلى والمفقودين الذين حاولوا العبور إلى أوروبا بين أغسطس 2022 ويونيو 2023 إلى نسبة أعلى بـ77 % عن العام السابق، الأمر الذي يتطلب اهتماماً من المجتمع الدولي لمعالجة القضية من جذورها عبر جهود تنموية شاملة، وتعاون وثيق بين جميع الدول المتأثرة، بما في ذلك دول المصدر والعبور والدول المستضيفة. الظاهرة تزايدت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، وهو ما دفع مجلس الأمن إلى طرحها للنقاش في جلساته العامة بعد تصنيفها في المرتبة الثالثة بعد الإتجار بالمخدرات والأسلحة، ولأنه لم يعد ممكناً لأي دولة التصدي لها وحدها، بل لا بد من تعاون على المستويين الوطني والدولي. لكن ما هي الإجراءات الوقائية والأمنية التي يجب اتخاذها للحد من انتشار الظاهرة.

المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تُعلن باستمرار عن أرقام مستويات اللجوء والنزوح القسري العالمي والذي لم يُشهد مثله منذ الحرب العالمية الثانية. وفي تقريرها السنوي أشارت المفوضية إلى أن عدد المهجّرين من ديارهم وصل إلى 89.3 مليون شخص بحلول عام 2021، أي بزيادة 8% عن العام الذي سبقه، وأكثر من ضعف الرقم الذي كان في عام 2011. منطقتنا معنية بقضية اللاجئين أكثر من غيرها، لكون العالم العربي أحد الوجهات المفضّلة للمهاجرين. ففي عام 2020 استضافت الدول العربية حوالي 15% من المهاجرين واللاجئين، فيما هاجر 32.8 مليون شخص أو أجبروا على النزوح من البلدان العربية حسب التقديرات الدولية.

والملاحظة الجديرة بالذكر هي أنه عندما يتم تناول ظاهرة أزمة المهاجرين لا يتم الاهتمام بمعالجة المشكلة من جذورها ووضع حد للأسباب التي تدفع مئات آلاف البشر للمخاطرة بحياتهم، وغالباً ما تنتهي محاولاتهم بمآسٍ مرعبة، وكثيراً ما تابعنا غرق آلاف قوارب المهاجرين في البحر المتوسط. وفي حين أن الحكومات الأوروبية على وجه الخصوص تسعى لوضع حد لتنامي هذه الظاهرة التي تسبب لها إزعاجاً كبيراً إلا أنها لا تلقي بالاً للجانب الإنساني، ولم تذهب إلى معالجة الأسباب التي يمكنها أن تحد من تلك الهجرة، وتخفف من المصاعب المعيشية للراغبين بالهجرة – وإن كانت غير شرعية - في أوطانهم نتيجة الصراعات السياسية والحروب والمجاعات والفيضانات.

ورغم تشديد الرقابة الحدودية وسن القوانين التي تمنع دخول الدول بشكل غير شرعي، إلا أن أوروبا على سبيل المثال لا الحصر لم تفلح في حل المشكلة، بل زادت أرقام المهاجرين وارتفعت عام 2022 إلى ما نسبته 64% عما كانت عليه قبل عام. اليوم ووفقاً لأحدث التقارير الدولية في هذا الشأن، يوجد أكثر من 110 ملايين شخص نازح حول العالم، معظمهم من النساء والأطفال الذين يفرون من ويلات يتعرضون إليه بسبب النزاعات، إلى جانب المخاطر الإضافية التي تواجه العديد منهم أثناء بحثهم عن الملجأ والملاذ الآمن.

وهذا ما دعا الإمارات لمطالبة المجتمع الإنساني باتباع نهج دولي موحد يركز على معالجة العوامل المؤدية للهجرة غير النظامية والنزوح القسري، وعدم الاكتفاء بمعالجة تداعيات تلك الظاهرة المستمرة، وذلك عبر تعزيز التنمية والاستقرار والازدهار في كافة المجتمعات، مع الحرص على الاستقرار العالمي وحل النزاعات دبلوماسياً وبعيداً عن الصراعات والحروب، لأن الوقاية خير من العلاج دوماً.

كما شددت الإمارات على ضرورة توفير الحماية للاجئين والنازحين، واحترام حقوقهم، وضمان حصولهم على الخدمات الأساسية التي يستحقونها كبشر، فما يبدو ويطفو على السطح سوء المعاملة التي يتعرضون إليها في معظم الدول التي يلجأون إليها، والتي يعمد بعضها إلى فرض التهجير القسري على هؤلاء الذين يحاولون النجاة بحياتهم وحياة أبنائهم.