قال خبراء الأمم المتحدة الأسبوع الماضي: إن تغير المناخ يجعل الظواهر الجوية المتطرفة أكثر شدة وتواتراً، ويجب على العالم أن ينفق مئات المليارات الإضافية سنوياً - أي ما بين 10 إلى 18 مرة أكثر مما ينفق حالياً - لمساعدة الأشخاص الضعفاء على التكيف مع الدمار المتزايد. ويأتي هذا التحذير في الوقت الذي يعاني فيه ملايين الأشخاص من الجفاف الشديد وحرائق الغابات الكارثية والفيضانات المدمرة التي يغذيها ارتفاع درجات الحرارة العالمية.

كما يأتي قبل أقل من شهر من انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة القادم لتغير المناخ، والذي تستضيفه الإمارات هذا العام، حيث من المتوقع أن يقاوم المفاوضون من الدول الغنية الدعوات لتعويض الدول الفقيرة عن مثل هذه الكوارث القاتلة. وقال الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو جوتيريش» في بيان حول تقرير فجوة التكيف: «أصبحت العواصف والحرائق والفيضانات والجفاف ودرجات الحرارة القصوى أكثر تواتراً وأكثر شراسة، وهي في طريقها لأن تصبح أسوأ بكثير».

وأضاف أن«الأرواح وسبل العيش تُفقد وتُدمر، بينما تزداد معاناة الضعفاء أكثر من غيرهم. ولكن مع تزايد الاحتياجات، يتعثر العمل». وقالت أندريا هينوود، كبيرة العلماء في برنامج الأمم المتحدة للبيئة الذي أصدر التقرير: إن النتائج يجب أن تكون بمثابة دعوة لليقظة للدبلوماسيين وقادة العالم الذين سيحضرون مؤتمر المناخ القادم في دبي المعروف باسم COP28. واستطردت: «نحن لا ننتج تقارير من دون غرض.

يحتاج المفاوضون في COP28 إلى التفكير في هذا الأمر بجدية». وقد درس مؤلفو التقرير الفجوة بين مقدار الأموال التي تحتاجها البلدان الضعيفة للتكيف مع الكوارث المناخية ومقدار الأموال التي يقدمها العالم. وخلصوا إلى أن«فجوة تمويل التكيف»هذه تتراوح بين 194 -366 مليار دولار سنوياً - وهو ما يزيد بأكثر من 50% عن تقديرات الأمم المتحدة السابقة. الدول النامية تحتاج- حسب التقرير- إلى ما يتراوح بين 215 - 387 مليار دولار سنوياً للحماية من الكوارث المناخية.

لكن الإنفاق العالمي على التكيف انخفض إلى 21 مليار دولار فقط في عام 2021، وهو العام الأخير الذي تتوفر عنه بيانات شاملة. وتسلط النتائج الضوء على حلقة من عدم المساواة: فالبلدان النامية التي ساهمت بأقل قدر في تغير المناخ تعاني أكثر من غيرها بسبب القرارات التي اتخذتها البلدان الغنية والصناعية بمواصلة حرق الوقود الأحفوري وضخ الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الغلاف الجوي. ولا تقدم تلك الدول الغنية المزيد من الأموال لمساعدة البلدان الفقيرة على التغلب على العواقب المترتبة على أفعالها.

على سبيل المثال، تعرضت باكستان، المسؤولة تاريخياً عن أقل من 1% من انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي، للدمار في الصيف الماضي بسبب فيضانات غزيرة أدت إلى مقتل ما يقرب من 1500 شخص وتسببت في أضرار تجاوزت 40 مليار دولار. وقال العلماء: إن الفيضانات كانت نتيجة لظاهرة الاحتباس الحراري التي يسببها الإنسان. وقال مالك أمين آسام، الذي كان حتى العام الماضي وزيراً لتغير المناخ في باكستان: «كان العام الماضي عاما من الدمار بالنسبة لنا. إذ إن أزمة المناخ حلت علينا بالفعل».

في قمة المناخ الدولية التي انعقدت في مصر الخريف الماضي (كوب27)، اتفق المفاوضون من حوالي 200 دولة على إنشاء صندوق لمساعدة البلدان الضعيفة على معالجة«الخسائر والأضرار»- وهو المصطلح الذي تستخدمه الأمم المتحدة للإشارة إلى التأثيرات التي لا يمكن تجنبها والتي تترتب على ظاهرة الاحتباس الحراري. ولكن بعد مرور ما يقرب من عام، لا تزال الدول تتجادل حول العناصر الأساسية للصندوق، بما في ذلك من يجب أن يدفع له ومن يجب أن يستفيد. وقال آسام: «كنا نأمل منذ العام الماضي أن تصل هذه الأموال. لكن هذا لم يحدث».

وقال «هارجيت سينج»، رئيس الاستراتيجية السياسية العالمية في شبكة العمل المناخي الدولية ومقرها نيودلهي: إن الكثير من الناس ليسوا على دراية بمفهوم التكيف، لكن الأمثلة كثيرة في الحياة اليومية. وأوضح: «عندما يتعلق الأمر بالتكيف، فإن هذا يعني مساعدة المجتمعات المحلية على زيادة ارتفاع منازلهم حتى لا تغمرها الفيضانات. ويتعلق الأمر بتوفير المياه أثناء ظروف الجفاف أو تعديل الأسطح لمنع الأضرار الناجمة عن الأعاصير».

وشددت الأمم المتحدة على أن الاستثمارات الفعالة في التكيف يمكن أن تمنع أضرار المناخ الأكثر تكلفة في المستقبل. على سبيل المثال، يمكن لاستثمار مليار دولار في حماية المجتمعات من الفيضانات الساحلية أن يمنع حدوث أضرار ناجمة عن المنازل والبنية التحتية المدمرة، والتي تقدر قيمتها بنحو 14 مليار دولار.

ومن الممكن أن تحقق أنظمة الإنذار المبكر، التي تنبه المجتمعات إلى اقتراب الأحوال الجوية المتطرفة، عائداً على الاستثمار يبلغ عشرة أضعاف. يشير التقرير إلى علامة واحدة على التقدم: فقد تبنت حوالي 5 من أصل 6 دول خطة أو استراتيجية وطنية للتكيف مع المناخ. لكن الخبراء يقولون: إن مثل هذه الخطط ليست بديلاً عن الأموال النقدية. والآن يدور السجال ويعلق كثيرون الآمال حول صندوق «الخسائر والأضرار» الجديد، الذي أُعلن عنه وسط قدر كبير من الضجة في العام الماضي. 

ولم تتعهد الولايات المتحدة، التي تطلق تاريخياً غازات دفيئة أكثر من أي دولة أخرى، بأي أموال جديدة للصندوق، ومن غير المرجح أن يوافق مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون على مساهمة جديدة.

وتعارض العديد من الدول النامية بشدة هذا الاقتراح، قائلين: إن الصندوق يجب أن يعمل كهيئة مستقلة تابعة للأمم المتحدة. ويزعمون أن أميركا تهيمن على البنك الدولي باعتبارها أكبر مساهم فيه وسيكون لها تأثير غير مبرر على الأموال.

وقال مسؤول دبلوماسي : إن إطلاق الصندوق من الصفر قد يستغرق سنوات، لذا فإن وضعه داخل البنك الدولي سيكون وسيلة أسرع لتوصيل المساعدات المناخية إلى البلدان المحتاجة.

ماكسين جوزيلو*

*كاتبة متخصصة في التغير المناخي.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»