في الطريق إلى مؤتمر الأطراف الدولية «كوب 28»، والذي سيعقد في أبوظبي نهاية شهر نوفمبر الجاري، شهدت العاصمة أبوظبي مؤتمراً للقادة الدينيين، والذي ضم وفداً من الأزهر الشريف، ومن حاضرة الفاتيكان برئاسة رئيس وزراء الكوريا الرومانية الكاردينال بيترو بارولين، والذين انضم إليهم زعماء قيادات دينية أخرى.

ويعن للقارئ أن يتساءل:«وما دخل قضية المناخ بالأديان وقياداتها، وبالنصوص الدينية وقدسيتها، وبالتغيرات الإيكولوجية التي تضرب الكرة الأرضية في هذا التوقيت؟ هذا التساؤل طرح على أمين سر حاضرة الفاتيكان الكاردينال باورلين، والذي أقر بالفعل بالجانب المدني أو العلماني في هذه الإشكالية، وكيف أنه بات المسيطر على المناقشات الحادة التي جرت في السنوات الأخيرة، من سياسيين ورؤساء وملوك، ومن قادة مجتمعيين، ومؤثرين ونافذين على مختلف الصعد، غير أن الأديان، تبقى في الأوقات الصعبة، وعند لحظات التحدي المصيرية، ركائز أساسية في حياة الأمم والشعوب.

ذات مرة تحدث أديب إيرلندا الكبير جورج برناردشو بالقول:«أنه عند العاصف يلجأ المرء إلى أقرب ميناء». هذا غالب الظن من تجري به المقادير الآن، لاسيما بعد أن باتت أزمة المناخ، تهدد حياة البشرية، وفي الوقت القريب، وعلى غير المصدق أن ينظر إلى التطورات السريعة والمخيفة، من جفاف وغليان، من ارتفاع مستوى المياه حول العالم، إلى قلة بل ندرة المحاصيل، ما يعني المزيد من الجوع والمجاعات.

تضمين القادة الدينيين ضمن قمة أبوظبي للأديان تهيئة لقمة المناخ القادمة، تعني أن هناك بالفعل بعداً أخلاقياً، بل وبعداً خُلقياً، يجب أن يسلط عليه الضوء من أئمة المؤمنين، ومنارات الدين، لاسيما أن أصوات القادة الدينيين تظل عالية في غير صخب، ومسموعة من دون شمولية، لما للروحانيات من مكانة في النفوس والقلوب، لم يقدر للعولمة ولا للشموليات أو حتى العلمانيات الجافة أن تزيحها من الطريق. أحسن الدكتور سلطان الجابر، الرئيس المعيّن لكوب 28، حين سلط الضوء على«المعنى الخاص» لإعلان أبوظبي المتعدد الأديان، والذي يشير لأهمية استمرار المعتقدات الإيمانية الجماعية في إلهام جميع الأشخاص لكي يعيشوا في وئام مع الطبيعة، وأن يعملوا من أجل حماية عالمنا الهش. يجئ بيان قمة أبوظبي المتعددة للأديان، ليعبر عن روح الوحدة والمسؤولية المشتركة والأخوة الإنسانية الواحدة، أمام الطبيعة الغاضبة والتي لن توفر أحداً من غضبتها، ويعد البيان من غير تهوين أو تهويل، مرحلة مفصلية في حياة البشرية، الساعية للتوصل إلى اتفاق ملزم لجهة عدم تجاوز درجة حرارة الكرة الأرضية مستوى 1.5 درجة مئوية.

من أنفع وأرفع ما جاء في هذا البيان، إعادة النظر إلى الكرة الأرضية بوصفه «أمنا الأرض»، وفي هذا التعبير رحابة إبستمولوجية تعكس عمق التعاطي مع الروحانيات والإيمانيات التاريخية، لا سيما أن التعبير يعود إلى المتصوف الإيطالي الأشهر، «فرنسيس الأسيزي» (1181-1226). تنظر القمة إلى الأرض كمصدر للحياة يجب حمايته، وتطالب الحكومات بالتغلب على نموذج النمو الخطي، والانتقال إلى النموذج الدائري الذي يتيح لنا أن نعيش حياة متوازنة وكريمة في وئام مع الطبيعة. بيان قمة الأديان دعوة عالمية لاحترام الترابط الوثيق والاعتماد المتبادل الذي يجمع البشرية على اختلاف عقائدها، وتنوع مذاهبها، بهدف نسج حياة أفضل، وتذكير الجميع بدوام المصير.

قمة الأديان من أجل المناخ، ضرب من ضروب أفكار الابتكار، والتي تغير الأوضاع وتبدل الطباع، بهدف الوصول إلى إنسانية أكثر رحابة وتعاوناً في الحال والاستقبال.

*كاتب مصري