تزداد الهند والولايات المتحدة تقارباً وسط توافق وجهات النظر بينهما بشأن العديد من القضايا. وقد أخذتا في الوقت الحالي توسّعان علاقتِهما لتشمل مجالات جديدةً كما يتضح من الاجتماع الأخير رفيع المستوى بين البلدين، حيث انعقدت النسخة الخامسة من المشاورات الوزارية السنوية 2+2، وهي صيغة تتضمن محادثات بين وزيري الخارجية والدفاع في كلا البلدين، ناقش فيها الجانبان مجموعة كاملة من القضايا ذات الاهتمام المشترك. وفي هذا الإطار، أجرى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ووزير الدفاع ليود أوستن، اللذان زارا الهند، محادثات مع وزير الخارجية الهندي جائي شنكر ووزير الدفاع راجناث سينغ.

وخلال الاجتماع تباحث الجانبان حول قضايا مختلفة، من الأمن في منطقتي الهند والمحيط الهادئ، وحرية الملاحة، إلى تسهيل حصول الهنود على تأشيرات العمل، مروراً بالتعاون في القطاع الصحي، والحرب في غزة.ورغم أن للبلدين موقفين مختلفين من الحرب في أوكرانيا، إذ ترفض الهند التنديد بروسيا التي تُعد أكبر شريك لها في مجال الدفاع، فإنه كان هناك توافق كبير بشأن إسرائيل، إذ دعيا إلى «الإفراج الفوري عن كل الرهائن المتبقين».

ولئن التزم البلدان بمواصلة التنسيق مع الشركاء في المنطقة بشأن المساعدات الإنسانية من أجل تلبية احتياجات المدنيين الفلسطينيين العاجلة في غزة، فقد أعربا عن دعمهما لهدنات إنسانية قصيرة والتزماً بمواصلة التنسيق الدبلوماسي الوثيق مع الشركاء الرئيسيين في المنطقة لمنع توسع الصراع، والحفاظ على الاستقرار في الشرق الأوسط، والعمل على التوصل لحل سياسي وسلام دائم. كما شددت الهند على الحاجة لحل الدولتين من أجل إنهاء الأزمة الإسرائيلية الفلسطينية الحالية.

ومن المحاور الرئيسية التي تناولتها المحادثات الثنائية التعاون في مجال الدفاع الذي أضحى بمثابة حجر الزاوية في العلاقات بين البلدين. وفي هذا الإطار، أشار بيان مشترك إلى أن الجانبين اتفقا على زيادة تعميق شراكتهما في مجال الدفاع عبر إجراء «تدريبات عسكرية ذات قدر متزايد من التعقيد والتطور». كما قال أوستن للصحفيين إن الهند والولايات المتحدة قررتا الإنتاج المشترك لمركبات «سترايكر» المدرعة التي من شأنها أن تدعم قابليةَ التشغيل البيني و«تعزيز الأمن المشترك لبلدينا».

ويأتي ذلك بعد أربعة أشهر من اتفاق البلدين على الإنتاج المشترك لمحرك شركة «جنرال إلكتريك» النفاث «إف414» وتوقيعهما خريطة الطريق للتعاون في مجال الصناعات الدفاعية بين الهند والولايات المتحدة لتسهيل الإنتاج المشترك لأنظمة دفاع متقدمة والتعاون في البحوث والاختبارات وتصميم النماذج الأولية. وبموجب هذه الاتفاقية، وافقت شركة «جنرال إلكتريك» على نقل 80 في المئة من التكنولوجيا المعنية، وفقاً لمسؤولين أميركيين أكدوا على رغبة واشنطن في دعم التحديث العسكري لنيودلهي عبر نقل التكنولوجيا.

ووفقاً للبيان المشترك، فإن الوزراء «يتطلعون إلى الانتهاء من إعداد اتفاق أمن الإمدادات، وهو أولوية رئيسية ضمن خريطة الطريق من شأنها تعزيز اندماج وتكامل النظم الصناعية الدفاعية لكلا البلدين، مع تعزيز مرونة سلسلة التوريد». كما تتطلع الهند للحصول من الولايات المتحدة على طائرات من دون طيار من طراز «إم كيو-9بي سي غارديان»، إذ قال مسؤولون هنود، إن قيمة صفقة الطائرات المسيَّرة مع الهند تفوق ثلاثة مليارات دولار، وتشمل شراء 31 طائرة من دون طيار مسلَّحة من إنتاج شركة «جنرال أتوميكس».

ويذكر أن الهند التي تُعد أكبر مستورد للأسلحة في العالم بحصة تمثّل 11 في المئة من واردات الأسلحة العالمية بين عامي 2018 و2022، وفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، تضغط على شركائها الغربيين لمشاركتهم إياها تكنولوجيا الدفاع. وضمن جهودها الرامية لتحديث جيشها في ضوء المشاكل الحدودية المتفاقمة مع الصين وباكستان، تسعى الهند للحصول على أسلحة أكثر تطوراً.

ورغم أن روسيا هي أكبر مزوّد للهند بالأسلحة، فإنه بات يُنظر إلى الولايات المتحدة الآن على أنها تساعد الهند على زيادة تنويع إنتاجها الدفاعي. كما ناقش الجانبان بعضَ القضايا الأخرى، إذ أكدت الهندُ أن حجمَ تجارتها مع الولايات المتحدة فاق 200 مليار دولار، مع وجود روابط وعلاقات قوية بين الشعبين تشمل 270 ألف طالب هندي يدرسون في الجامعات الأميركية، كما يصل عدد الجالية الهندية إلى 4,4 مليون شخص.

ولا شك أن حوار 2+2 شكّل فرصةً لكلا الجانبين من أجل إجراء تقييم شامل للعلاقات الثنائية ومناقشة الشراكات المتعددة في مجالات التجارة والاستثمار والتكنولوجيا والتكنولوجيات الدقيقة الناشئة.

وفي الأثناء، يواصل البلدان تعميق شراكتهما، التي تشمل كل شيء، من التكنولوجيات الناشئة إلى الدفاع إلى العلاقات بين الشعبين، فضلاً عن جهودهما الدبلوماسية المشتركة لتأمين منطقة الهند والمحيط الهادئ حتى تكون حرة ومفتوحة ومزدهرة وقوية. كما طلبت الهند من الولايات المتحدة تقليصَ مدة الانتظار للحصول على التأشيرات إذ تشتكي الشركات في الهند من فترات انتظار طويلة.

ورغم قدر كبير من عدم اليقين في العالم، فليس هناك شك في أن العلاقة بين الهند وأميركا، التي واجهت العديد من التحديات، ظلت قوية. وعليه، فلا شك في أنه لن يكون هناك أي تردد هندي مستقبلاً في القول بأن ثمة العديد من أوْجه التوافق مع الولايات المتحدة، ما يجعل هذه العلاقة الأهمَّ من نوعها بالنسبة للهند.

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي