على بُعد أيام معدودات من المؤتمر العالمي للمناخ «كوب 28» الذي تستضيفه دولة الإمارات، يتساءل المرء: ما الذي ستنتظره الإنسانية من المجتمعين في هذا المؤتمر؟

المؤكد أن العالَم ليس في حاجة إلى المزيد من البيانات والشعارات البلاغية، وإنما في حاجة إلى نقطة انطلاق جديدة لمسيرة تربوية وروحانية إيكولوجية، وهذا التعبير لصديق الإمارات الكبير، البابا فرنسيس، المتحامل على نفسه رغم مرضه، والذاهب للمشاركة في هذه القمة انطلاقاً من كونها علامة فاصلة في تاريخ علاقة الإنسان بالطبيعة. المطلوب من قمة المناخ في الإمارات إعادة توجيه مسار الإنسانية، والنظر معاً، دون محاصصة من أي نوع للحاجات المشتركة للإنسانية، وفي مقدمها سد النقص الحادث في الوعي بالأصل المشترك، وبالانتماء المتبادل، وبالمستقبل الذي يشارك فيه الجميع فوق سطح الكرة الأرضية.

«كوب 28» يصلح قولاً وفعلاً لأن يصبح حجر زاوية في وعي كوزمولوجي شامل يسمح بتطوير قناعات ومواقف جديدة وأنماط حياة مغايرة، ومن هنا يأتي التحدي الكبير، الثقافي والروحي والتربوي، الأمر الذي يقتضي مراحلَ طويلة من التجدد، ويلقي على كاهل المجتمعين في الإمارات بعبء ثقيل في مسيرة الإنسانية المتغيرة.

والبشرية بحاجة إلى صيحة تصدر من الإمارات تجاه المألوف والموصوف والمعروف في حياة البشرية، الأمر الذي قادها إلى «مربعات الراحة والطمأنينة المادية»، تلك التي ولّدت حالة من الطبيعة المشوهة بسبب الميل إلى الاستهلاك، ومن غير أدنى أعتبار لأمن الأرض! تحتاج البشرية إلى أن يصدر البيان الختامي لقمة المناخ في الإمارات مغيِّراً الأوضاع ومبدلا الطباع، بما يأخذنا بعيداً عن آليات السوق التي حولت البشرَ إلى كائنات استهلاكية، مدفوعة بقوى قهرية تهدف للبيع والشراء، وتحقيق أعلى مستويات الربح، الأمر الذي ينتهي بإغراق الجميع في هوس الاستهلاك الضار بالطبيعة من حولنا.

ما تتطلع إليه الأنظار في الأيام القادمة في حقيقة الأمر ليس مجرد مناداة أو بيانات، على أهميتها كوثائق محدِّدة للحال والمآل، بل عهد جديد بين البشرية والبيئة، عهد يترجم الوعيَ بخطورة الأزمة الإيكولوجية إلى عادات جديدة، تمد يدَ العون في أوقات حرجة إلى درجة التداعي وبخاصة بعدما تدهورت أوضاع المناخ من حالة الاحترار إلى حالة الغليان الذي لا يبقي ولا يذر.

ما عرفته البشرية في ظل العولمة المتوحشة الساعية لمراكمة الأرباح الرأسمالية بطريقة غير مستنيرة، لم يعد يكفي لإعطاء معنى وفرح للقلب البشري، وربما هذا ما قاد العالم إلى دائرة صعود القوميات، وصحوة الشوفينيات، ووحشية الأصوليات.. مجدداً.

نتطلع لأن يبرز من «كوب 28» أبطال إيكولوجيون يتذكرهم التاريخ، مملوؤون بروح الوعي البيئي الجديد، ذلك الروح السخي، في نضالهم لتخليص العالم من إرث عبادة الذات. لن ينصلح حال كوكب الأرض طالما وجدت صراعات نرجسية غير مستنيرة، هدفها السيطرة على مقدرات العالم مالياً وأمنياً، دون أدنى اعتبار للأكلاف البيئية. وفيما البشر يتصارعون، تبكي الطبيعة، براً وبحراً وجواً، على مآلات الإنسانية الماضية في طريق الضياع.

ويكاد لا يتبقى أمل سوى ظهور كائنات من كواكب صديقة مجاورة، يسوءها ما يصنعه الجيران بكوكبهم، كما يحدث في أفلام الخيال العلمي! نأمل أن يكون «كوب 28» فرصة للخيرين وهم يقدمون، بعمق وجداني وإنساني، دعوةً جادة وصادقة لخلق «مواطَنة إيكولوجية عالمية»، لا تقتصر على البيانات والمعلومات، وإنما تنجح في تعبيد الطريق لعادات بيئية خلاقة. نأمل ونتوقع أن ينجح «كوب 28» في إعادة تشكيل الضمير البيئي العالمي خوفاً من الأسوأ الذي لم يأت بعد.

*كاتب مصري