أدركُ كل التحذيرات والمحاذير المتعلقة باستطلاعات الرأي التي تجرى قبل عام من الانتخابات، لكن الكثير من استطلاعات الرأي الأخيرة حول انتخابات 2024 تظل مخيفة ومقلقة.

يفترض ألا نكون في هذا الوضع. ذلك أن لدينا رئيسا كانت ولايته الأولى ناجحة عموما وأدى المهمة الرئيسية التي انتُخب من أجلها باقتدار، ألا وهي: إعادة البلاد إلى الوضع الطبيعي وتجنب إلحاق مزيد من الضرر بها من قبل سلفه. هذا الرئيس، جو بايدن، من شبه المؤكد أنه سيتنافس مرة أخرى ضد دونالد ترامب، الرئيس السابق الذي يواجه كما هائلا من المشاكل القانونية بسبب خداعه ونزعاته المناوئة للديمقراطية.

وبالتالي، فإن الاختيار العام المقبل يفترض أن يكون واضحاً، غير أن الناخبين مستمرون في إخبار كل من يريد الاستماع بأنه ليس كذلك. فقد أظهرت نتائج استطلاع للرأي أجرته صحيفة نيويورك تايمز بالتعاون مع كلية سيينا وصدر هذا الشهر أن بايدن متأخر عن ترامب في 5 من أصل 6 ولايات مهمة. كما أظهر استطلاع للرأي أجرته شبكة «إن بي سي نيوز» مؤخرا أن ترامب متقدم على بايدن بفارق طفيف.

وبالتالي فمن الواضح أن الناخبين غير راضين عن خياراتهم، لكنهم في الوقت نفسه لا يكافئون بايدن أو يعاقبون ترامب بالطرق التي قد يتوقعها المرء. بل يبدو أن هناك مجموعة من العوامل في الوقت نفسه. فبعض الناخبين يجدون متعة في إعادة كتابة التاريخ بحيث يُنظر إلى المدمِّرين باعتبارهم معطِّلين، وعلى نحو يقلّل فيه من مخاوفنا السابقة. فمن وجهة نظر العديد من هؤلاء الناخبين، فإن ترامب، ورغم أخطائه الواضحة، «ليس سيئا جدا»، وما فعله حين كان في الرئاسة بات يُنظر إليه على نحو متزايد على أنه إيجابي، بما في ذلك رجّ نخبة واشنطن والوضع السياسي القائم.

وبالنسبة لأولئك الذين فقدوا الثقة في الحكومة بشكل عام، قد يكون ذلك جذاباً -- أيام ترامب الكابوسية تتحول بطريقة أو بأخرى إلى أيام رغد. في هذا السيناريو نفسه، يبدو أن البعض ينتابه شعور زائف بعدم القهر، وهو شعور من النوع الذي قد يشعر به المرء بعد النجاة من حادث سيارة، حيث يبدأ المرء في النظر إلى نجاته من الأسوأ باعتباره دليلاً على أن الخطر كان أهون أو أقل قوةً مما كان يبدو عليه في السابق، وأنه أكثر قوة ومرونة مما كان يظن. بيد أن التهديد الذي يطرحه ترامب لم يتضاءل. بل زاد. ذلك أنه بات أكثر صراحة بشأن خططه الرامية لتغيير البلاد وشكل حكومتنا في حال عودته إلى البيت الأبيض.

ومع ذلك، فإن بعض الأميركيين لا يرون أن هذا التهديد لديه القدرة على الإيذاء والتسبب في ضرر بالطريقة التي من الواضح أنه قادر عليها. ويبدو أنهم يرون أنه إذا تمكنت البلاد من البقاء بعد ولاية واحدة لترامب، فلا شك أنها تستطيع البقاء بعد ولاية أخرى، وأن كل أولئك يحذّرون باستمرار من كارثة، ويزعمون أن مصيبة ستحل أو يمكن أن تحل، إنما هم أشخاص مدمنون على القلق ويميلون إلى التهويل والمغالاة. ثم هناك أولئك الذين لا يستشعرون الآثار الإيجابية لرئاسة بايدن، سواء أكان ذلك في الاقتصاد أو في السياسة الخارجية. وذلك ليس لأن إدارة بايدن لم تحقّق نجاحات، وإنما لأن المواطنين الأفراد لا يدركون أحياناً مصدر تلك النجاحات أو لا يعيشونها بطرق يستطيعون استشعارها على الفور.

وخلاصة القول إن المرشحين الناجحين في السباقات الرئاسية هم عادة أولئك الذين ينحازون إلى الناخبين. وذاك ما فعله بايدن في 2020، غير أنه من غير الواضح تماما أنه هو ما سيفعله في 2024 -- ليس لأنه تغيّر وإنما لأن شهيّة العديد من الناخبين تغيرت. صحيح أن عاماً هو فترة طويلة في السياسة، وما زال لدى بايدن الوقت لقلب الأمور وتعديل رسائله للناخبين. إلا أن ما يثير الغضب مع ذلك هو أننا في وضع نضطر فيه للمقامرة على قدرة بايدن على تنظيم نفسه وإخراجها من حفرة كبيرة.

والأكيد أنه من المثير للغضب أن يعتمد بقاء ديمقراطيتنا على ذلك. لا يهم إن كنتُ أو أي شخص آخر يعتقد أن بايدن يستحق ولاية ثانية -- فالأميركيون يواصلون الإشارة إلى أنهم غير مقتنعين بتوليه ولاية ثانية. وفي مرحلة ما، ينبغي علينا جميعا أن نستمع أكثر من التحدث وإعطاء الدروس. وعلينا أن نفهم أن إصرار بايدن على السعي لولاية ثانية -- بدلاً من إفساح المجال لشخص من الجيل القادم من القادة «الديمقراطيين» – مقرونٌ بخطر كبير وأن ما هو على المحكّ أكبر من تطلعات أي مرشح فردي. في الوقت الراهن، أخذ الناخبون ينأون عن الخيار الأكثر أماناً مستدعين بذلك موت البلاد. لكن شيئا ما أو شخصا ما قد يتمكن من تخليص الناخبين من هذه النزعة المدمِّرة للذات. وعلى كل حال، علينا أن نأمل ذلك، لأن ثمن عدم حدوث ذلك باهظ جداً.

*كاتب وصحافي أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»