في الثاني من شهر ديسمبر من كل عام، تمر علينا الذكرى السنوية التي نحتفل فيها بعيد الاتحاد، وهي ذكرى تأسيس الدولة الاتحادية، التي احتفلنا بها قبل أيام قليلة. وفي هذا العام تمر علينا، هذه الذكرى وقد أطفأ اتحاد دولة الإمارات العربية الشمعة الثانية والخمسين من عمره المديد.

لقد أصبحت الكتابة حول هذه المناسبة الوطنية أمراً معتاداً وتنصب على وصف مزايا الاتحاد وانعكاساته الإيجابية الجمة على الوطن والمواطنين والدولة والمجتمع، لكن ضمن هذه السطور سنقوم بتركيز الضوء على جانب فريد لقيام هذا الاتحاد العتيد الذي يخص دولة الإمارات وحدها ولم يسبقها إليه جميع الاتحادات الأخرى التي قامت في ما بعد الحرب العالمية الثانية، وهو أمر تميز به قيام دولة الإمارات العربية المتحدة من حيث النشأة والتكوين.

من المعلوم أن قيام الاتحادات في العصر الحديث يتمحور حول وجود العامل الاقتصادي، كأمر يجمع بين الأطراف الداخلة في العملية الاتحادية، لكن الذي حدث في قيام دولة الإمارات، هو شأن آخر يخصها وحدها وحدث متمحور حول عوامل أخرى الاقتصاد ليس من بينها كأمر مجرد أو محوري. ظهرت دولة الإمارات إلى الوجود في الثاني من ديسمبر 1971 في أعقاب ما يزيد على السنوات الثلاث من الاجتماعات والمفاوضات. الدولة الاتحادية تتكون من سبع إمارات عربية كانت تعرف بإمارات الساحل المتصالح، وهي أبوظبي ودبي والشارقة وعجمان وأم القيوين ورأس الخيمة والفجيرة، وهذه الإمارات السبع المنضوية تحت راية الاتحاد الآن كانت متفاوتة من حيث مساحتها وعدد سكانها والموارد الاقتصادية التي تحوزها.

سرد العوامل التي تجعل من قيام اتحاد دولة الإمارات حالة فريدة من نوعها يمكن أن يتم عن طريق استخدام منظورين عريضين: المنظور الأول، هو الخلفية الخاصة للمنطقة التي تقع عليها الإمارات السبع، وهي مصطفة جنباً إلى جنب، والتي تشمل العوامل والمتغيرات الرئيسية التي تنبعث من الأرضية الثقافية المشتركة والتجارب الخاصة بالمنطقة التي قام عليها الاتحاد وأخذ الشكل المتجانس الذي هو عليه الآن. تلك العوامل والمتغيرات تشمل البيئة والمحيط والوسط الاجتماعي - السياسي، والتجربة التاريخية الواحدة، والبنى الاقتصادية والتنموية التي كانت شبه غائبة، وأخيراً تفاوت الوحدات المكونة للاتحاد من حيث المساحة وعدد السكان والإمكانيات المختلفة.

أما المنظور الثاني، فإنه يعود إلى خصائص ملحوظة تخص المنطقة ذاتها في الوقت الذي ظهر فيه الاتحاد إلى العلن والتي تعد انعكاساً للحالة التي كانت سائدة ما قبل قيام الاتحاد، وهي الطبيعة النخبوية المشتركة، وتطور المنطقة حول عوامل محورية خاصة بها، ومنطلقات أمنية خارجية كانت تحمل تهديدات خطيرة، وأخيراً الطبيعة السياسية غير الواضحة بشكل المنطقة.

خلاصة القول، هي أنه في واحدة من معجزات التاريخ الحديث، السنوات التي مضت من عمر الاتحاد شهدت تحولاً لإمارات كانت متفرقة تبحث عن الأمن والاستقرار والتنمية إلى دولة شامخة قوية بقيادتها وتكاتف شعبها، ذات اقتصاد صلب مع بنى اقتصادية - اجتماعية تضاهي أكثر الدول تقدماً وفي العديد من الحالات تتفوق عليها. بالإضافة إلى ذلك تبقى دولة الإمارات مركزاً للاستقرار في وسط بيئة إقليمية وعالمية غير مستقرة. إن الأمر الذي يجعل من التجربة الاتحادية الإماراتية فريدة ومتميزة في نشأتها واستمراريتها، هو أنها تسير قدماً إلى الأمام، وهي محتفظة بقوة بتراثها وتقاليدها الوطنية الصرفة جنباً إلى جنب مع ما يحدث من تقدم وتطور على كافة الأصعدة.

وإذ نبارك لأنفسنا قيادة وشعباً ما يحدث على هذه الأرض من بناء لحضارة حديثة راسخة نقول للجميع هنيئاً لكم العيش الكريم في هذا الوطن المعطاء. *كاتب إماراتي