أدت الأحداث الأخيرة التي كادت تتسبب في انهيار «أوبن إيه آي»، الشركة الرائدة عالمياً في مجال الذكاء الاصطناعي، إلى ظهور صراع داخل هذه الشركة والمجتمع الأوسع، حول السرعة التي يجب أن تستمر بها التكنولوجيا، وكذلك حول ما إن كان إبطاؤها سيساعد في جعلها أكثر أماناً. وبصفتي أستاذاً في الذكاء الاصطناعي وأخلاقياته، فإنني أعتقد أن تقديم المشكلة على هذا النحو يغفل السؤال الأساسي المتعلق بنوع الذكاء الاصطناعي الذي نريد تسريعه أو إبطاءه.
خلال الأربعين عاماً التي قضيتها في أبحاث الذكاء الاصطناعي، لاسيما في مجال معالجة اللغة الطبيعية والإبداع الحاسوبي، كنتُ من بين الرواد الذين حققوا تقدماً في عدد من الجوانب المتعلقة بالتعليم الآلي، وهو ما سمح لي بإنشاء أول مترجم واسع النطاق للغات على الإنترنت في العالم، قبل ظهور برامج من قبيل «غوغل ترانزليت» و«بينغ ترانزليتر». ولا شك في أنه سيكون من الصعب على المرء إيجاد حجج ضد تطوير الذكاء الاصطناعي الخاص بالترجمة، ذلك أن تقليص سوء الفهم بين الثقافات واحدٌ من أهم الأشياء التي يمكن للبشرية القيام بها من أجل النجاة من الاستقطاب والانقسام الجيوسياسي المتصاعد.
بيد أن لدى الذكاء الاصطناعي كذلك جانباً مظلماً. وقد رأيتُ شخصياً العديد من التقنيات نفسها، التي اختُرعت لأغراض مفيدة من قبل مجتمع المتخصصين في معالجة اللغة الطبيعية والتعلم الآلي، تُستخدم بدلاً من ذلك في وسائل التواصل الاجتماعي ومحركات البحث والاقتراح من أجل زيادة وتكريس الاستقطاب والانقسام والتحيّز والمعلومات المضللة بطرق باتت تطرح تهديدات وجودية متزايدة للديمقراطية. ومؤخراً، ومع تزايد قوة الذكاء الاصطناعي، رأينا هذه التكنولوجيا وهي تنقل التصيد إلى مستوى جديد عبر استخدام أصوات «التزييف العميق» لزملائك أو أحبائك بغرض خداعك وسلب أموالك.
والحقيقة أن الذكاء الاصطناعي يتلاعب بالإنسانية، وبات على وشك اكتساب قوة أكبر لا يمكن تصورها للتلاعب بوعينا، وهو بالكاد ما ألمحتْ إليه النماذج اللغوية الكبيرة مثل «تشات جي بي تي». وبالتالي، فإن البشرية إزاء لحظة مفصلية ذات أبعاد وجودية وأخلاقية. 

ومع ذلك، فإن مبدأ «السرعة في مقابل السلامة» ليس الشيء الوحيد الذي يحجب التهديدات الحقيقية التي تلوح في الأفق. من بين الحركات بالغة الأهمية في أوساط أمان الذكاء الاصطناعي، هناك ما بات يعرف بـ«مواءمة الذكاء الاصطناعي» التي تركز على تطوير طرق لمواءمة الذكاء الاصطناعي مع أهداف الإنسانية. وحتى الخلاف الأخير، كان إيليا سوتسكيفر ورئيسُ قسم أبحاث المواءمة في «أوبن إيه آي» جان ليك يقودان برنامج بحوث حول «المواءمة الفائقة» يتعاطى مع السؤال البسيط والمعقد في آن معاً: «كيف نضمن احترام أنظمة الذكاء الاصطناعي الأكثر ذكاءً من البشر للأهداف البشرية؟».
غير أنه في مواءمة الذكاء الاصطناعي هناك، مرة أخرى، مشكلة بديهية تطرح. المواءمة.. مع أي نوع من الأهداف الإنسانية؟ الحقيقة أنه لا يوجد اتفاق عالمي حول هذه الأهداف، ناهيك عن القضايا الأكثر إثارةً للجدل والانقسام مثل حقوق السلاح، أو الحقوق الإنجابية، أو الصراعات الجيوسياسية. 
وإذا كانت قصة «أوبن إيه آي» تُظهر بوضوح مدى استحالة مواءمة الأهداف حتى بين مجموعة صغيرة من قادة «أوبن إيه آي». فما بالك بمواءمة الذكاء الاصطناعي مع كل أهداف البشرية؟
وتأسيساً على ما تقدّم، ينبغي على الشركات والباحثين والجهات المقننة المعنية بالذكاء الاصطناعي العمل بشكل عاجل على تسريع معالجة الكيفية التي ينبغي للذكاء الاصطناعي أن يعمل بها في مواجهة مفاضلات قديمة لم تحسم بين الأهداف المتضاربة، وتسريع تطوير أنواع جديدة من الذكاء الاصطناعي يمكن أن تساعد في حل هذه المشكلة. وعلى سبيل المثال، يتناول أحد مشاريعي البحثية الذكاء الاصطناعي الذي لا يكتفي بالتحقق من صحة المعلومات، وإنما يعيد صياغتها بشكل تلقائي على نحو يساعد في تقليل التحيزات الضمنية لدى القراء. ولا شك في أن تسريع هذا العمل أمرٌ ملحٌ، تحديداً بسبب التقدم الهائل والمطرد في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي اليوم.
وفي الوقت نفسه، ينبغي إبطاء استخدام الذكاء الاصطناعي الذي يفاقم عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي، مثل الخوارزميات التي لا تكف عن نشر المنشورات حول نظريات المؤامرة. وبدلاً من ذلك، نحتاج لتسريع عملية تطوير الذكاء الاصطناعي الذي يساعد على تخفيف حدة تلك المستويات الخطرة من الاستقطاب.
كما نحتاج جميعاً، خبراء الذكاء الاصطناعي ومؤثري «وادي السيليكون» ووسائل الإعلام الكبرى التي تغذّي أحاديثنا اليومية، للكف عن تجاهل معالجة هذه التحديات الحقيقية أو تأجيل النظر فيها من خلال سرديات مؤطَّرة بشكل خاطئ ومغرِقة في التبسيط حول الفريق القائل بأهمية تسريع الذكاء الاصطناعي في مقابل الفريق الذي يشدد على ضرورة إبطائه. ونحتاج أيضاً للاعتراف بأن عملنا يؤثر في البشر وبأن البشر يتّسمون بالفوضى والتعقيد بطرق لا تستطيع التقاطها بالضرورة معادلة أنيقة.
وخلاصة القول هي أن الذكاء الاصطناعي بات الآن جزءاً يومياً من مجتمعنا، وهي حقيقة ستصبح أكثر وضوحاً مما تصوّره معظم الناس. والواقع أنه فات الأوان للشروع في إدراك واستيعاب ذلك، لكن دعونا نجعل من خلافٍ في مجلسِ إدارةٍ فرصةً لنا. فمن الممكن أن نحلم أحلاما كبيرة وبسرعة، وإبطاء سوء الفهم في الوقت نفسه! 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»