على بعد ليلة واحدة، وفي مساء الغد، يحتفل العالم كله، إلا بعض الطوائف المشرقية والروسية، بذكرى مولد السيد المسيح، والتي تصاحبها الكثير من التساؤلات حول هذا الحدث الفريد من نوعه، وفي مقدمها: هل موعد الميلاد الحقيقي هو بالفعل 25 ديسمبر؟

وماذا عن الموقع والموضع الذي ولد فيه السيد المسيح؟ وماذا عن الملابسات التاريخية والسياقات الاجتماعية التي جرى فيها هذا الميلاد؟ ربما تبدو الأسئلة أوسع وأعرض مما تتيحه المساحة المتاحة للكتابة، لكن باختصار مفيد نشير إلى بعض الهوامش الخاصة بالمفاهيم الميلادية.

ولعل المفأجاة الأولى التي لا يعرفها الكثيرون هي أن مولد المسيح لم يكن في الشتاء أساساً، وهو أمر تخلص إليه الروايتان الإنجيلية والقرآنية. أما الإنجيلية فتتحدث عن الرعاة الذين كانوا يرعون قطيعهم في الجبال القريبة من بيت لحم، حيث ولد المسيح، والمعروف أنه لا رعي في الشتاء، حيث الثلوج تتساقط فوق تلك المنطقة، وإنما الرعي والسهر يحدث في أزمنة الصيف.

وما يؤكد هذا القول هو الآية القرانية الواردة في سورة مريم: «وهزي إليك بجذع النخلة تَسَّاقط عليك رطباً جنيا»، ومعلوم أن الرطب والتمر لا يظهران إلا في مواسم الصيف.. فما السبب إذن في هذا الموعد الذي يبدو غريباً؟ الشاهد أن أول مَن صرح بوضوح أن يسوع ولد في 25 ديسمبر هو القديس هيبوليتوس الروماني، في تعليقه على كتاب النبي دانيال، الذي كتب في عام 204 للميلاد. وهناك بعض مفسري الكتاب المقدس يربطون هذا التاريخ بالاحتفال بِعيد تكريس هيكل أورشليم، الذي أطلقه يهوذا المكابي في عام 164 قبل المسيح.

وفي مرحلة لاحقة، في القرن الرابع الميلادي، أخذ العيد هيكليتَه النهائية عندما حلَّ محل العيد الروماني المعروف باسم «الشمس الظافرة» (Sol invictus)، وتم التشديد بهذا الشكل على أن مولد المسيح هو انتصار النور الحق على ظلمة الشر والخطيئة. ولد السيد المسيح في مدينة بيت لحم، ومعنى اسمها بالعبرية «بيت الخبز»، وهي مدينة تبعد عشرة كيلومترات عن القدس، وترتفع 756 متراً عن سطح البحر. اشتهرت في العهد القديم، لكونها شهدت ميلادَ الملك داود، أشهر وأهم ملوك بني إسرائيل.

وقد تحول موقع ميلاد المسيح فيها إلى كنيسة أثرية مهمة للغاية، هي كنيسة المهد التي بناها الإمبراطور الروماني قسطنطين عام 335 ميلادية، وتعتبر من أقدم كنائس فلسطين والعالم. والأهم من هذا حقيقةَ أنَّ الطقوس الدينية تقام بانتظام حتّى الآن منذ مطلع القرن السادس الميلادي حين شيّد الإمبراطور الروماني يوستنيان الكنيسةَ بشكلها الحالي.

وكانت كنيسة المهد هي الأولى بين الكنائس الثلاث التي بناها الإمبراطور قسطنطين في مطلع القرن الرابع الميلادي، حين أصبحت المسيحية الديانة الرسمية للدولة الرومانية، وكان ذلك استجابة لطلب الأسقف ماكاريوس في المجمع المسكوني الأول في نيقيه عام 325 للميلاد. وتضم الكنيسة ما يعرف بكهف أو مغارة ميلاد المسيح، والذي تزينه النجمة الفضية الموجودة في المذود المزّيَن بالمرمر والمكتوب عليها باللاتينية: «هنا ولد المسيح يسوع من العذراء مريم»، والقناديل الخمسة عشر تمثل الطوائفَ المسيحية المختلفة.

ومن مميزات البناء الذي أنشأه الإمبراطور قسطنطين أنه حوى في بنائه الأساسي مثمناً فيه فتحة تؤدي إلى مغارة الميلاد حيث المذود والنجمة، غرباً يجد المرء بازيليكا كبيرة تنتهي ببهو محاط بالأعمدة ويُطلّ على مدينة بيت لحم. تَعرَّض بعضُ أجزاء الكنيسة للدمار عدة مرات، كانت أولاها في عام 529 للميلاد عندما دمرها السامريون، وجماعة من اليهود يُنسبون إلى عاصمتهم القديمة السامرة، وبعد ذلك أعاد الإمبراطور «جستنيان» بناءَ كنيسة المهد على نفس موقعها القديم، ولكن بمساحة أكبر، وكان ذلك في عام 535 للميلاد.

*كاتب مصري