اعتمد مجلس الأمن الدولي الجمعة الماضية، بأغلبية كبيرة، قراراً يهدف إلى توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المقدَّمة إلى قطاع غزة ورصد فاعليتها، وتهيئة الظروف اللازمة لوقف مستدام للأعمال القتالية، وذلك للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب، الأمر الذي يعتبر نجاحاً كبيراً لجهود الدبلوماسية الإماراتية التي لم تألُ جهداً، لكي يخرج هذا القرار إلى النور، وتحقيق التوافقات الدولية المطلوبة لتمريره، على الرغم من التعقيدات الكثيرة التي أحاطت بهذا الملف.

ويطالب القرار الذي قدمته دولة الإمارات وصادقت عليه 13 دولة عضواً، من أصل 15 في مجلس الأمن، الأمين العام للأمم المتحدة بتعيين كبيرٍ لمنسّقي الشؤون الإنسانية وشؤون إعادة الإعمار، يكون مسؤولاً في غزة عن تيسير وتنسيق ورصد جميع شُحنات الإغاثة الإنسانية المتجهة إلى غزة، والواردة من الدول التي ليست أطرافاً في النزاع، والتحقق من طابعها الإنساني. كما طلب القرار من المنسق الجديد أن يقوم - على وجه السرعة - بإنشاء آلية للأمم المتحدة، من أجل التعجيل بتوفير شحنات الإغاثة الإنسانية لغزة، ودعا أطراف النزاع إلى التعاون مع المنسِّق الأممي للوفاء بولايته، دون تأخير أو عوائق.

ويمثل هذا القرار، الذي لقي ترحيباً دوليّاً واسعاً، خطوة مهمة في طريق التوصل إلى وقف للحرب الدائرة في قطاع غزة والتي تسببت حتى الآن في إزهاق أرواح أكثر من 20 ألف فلسطيني وعشرات آلاف الجرحى ومئات آلاف النازحين والمشردين في وضع إنساني خطير. كما لقي القرار إشادة دولية واسعة بالدور الذي لعبته دولة الإمارات في تمرير هذا القرار، من خلال أداء دبلوماسي اتسم بالكفاءة والمهنية العالية.

وعلى الرغم من تأجيل إصدار القرار أربع مرات، فإن الإمارات نجحت - في نهاية المطاف - في تمريره بفضل مجموعة من العوامل، يأتي على رأسها المصداقية الكبيرة التي تحظى بها الدبلوماسية الإماراتية على مستوى العالم، والتقدير الواسع الذي تحظى به سياسة دولة الإمارات العربية المتحدة في العالم كله وعلاقاتها الطيبة مع مختلف القوى الإقليمية والدولية.

ومن هذه العوامل أيضاً المهنية التي تتمتع بها الدبلوماسية الإماراتية وإدراكها الدقيق لطبيعة التوازنات الدولية والإقليمية الراهنة والمرحلة الصعبة التي يمر بها النظام الدولي ككل، والصراع العربي - الإسرائيلي بشكل خاص، حيث اتسمت بالمرونة العالية التي مكنتها في النهاية من التوصل لصيغة قرار تجنَّب الفيتو الأميركي، وتحقيق الهدف المتمثل في توسيع العمليات الإنسانية في القطاع، والحفاظ على أرواح الغزاويين.

وتأكيداً لهذه المهنية والكفاءة والإصرار على تمرير القرار، قادت معالي السفيرة لانا نسيبة زيارة لأعضاء مجلس الأمن الحاليين والمقبلين إلى معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة، حيث اطلع أعضاء المجلس بشكل مباشر على الحاجة الماسّة لإدخال المزيد من المساعدات الإنسانية وعدم كفاية النظام الحالي، وشاهدوا آلاف الشاحنات المحملة بالمساعدات الإنسانية من حول العالم غير قادرة على الدخول إلى غزة لإغاثة المحتاجين، وهو ما كان له تأثيره في إقناع أعضاء المجلس باتخاذ هذه الخطوة المهمة.

إن خبرة الدبلوماسية الإماراتية في التعامل مع القضايا الدولية المعقدة أسهمت بشكل كبير في التغلب على الصعوبات التي واجهت هذا القرار. الأمر الذي سوف تبني عليه الدولة أيضاً من أجل إصدار مزيد من القرارات التي تعمل على وقف الحرب، والتوصل إلى تسوية دائمة ومستقرة، ليس للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي وحسب، وإنما في منطقة الشرق الأوسط كلها.

*باحث رئيسي - مدير إدارة النشر العلمي - مركز تريندز للبحوث والاستشارات