تُعد دولة الإمارات العربية المتحدة مثالاً بارزاً لتحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والاستدامة البيئية، إذ تَظهر الدولة - بجَمْعها بين السياسات المبتكرة والتكنولوجيا المتقدمة - نموذجاً يُحتذى به في تحقيق التنمية المستدامة. فكيف يمكن تحقيق هذا التوازن، وما الدروس المستفادة من التجربة الإماراتية؟
لم تعُد التنمية الاقتصادية في دولة الإمارات تركز على النمو الكمي فحسب، بل أصبحت تشمل الجودة والاستدامة. وتُظهِر مشروعات مثل «مدينة مصدر»، إحدى أكثر المدن استدامةً في العالم، جِدية الدولة في تحقيق التنمية المتوازنة، فهذه المدينة تُعد مختبراً حيّاً لأحدث الابتكارات في مجالَي الطاقة المتجددة، والبنية التحتية الخضراء. وتشمل مشروعات الطاقة النظيفة، التي تركز عليها دولة الإمارات، مفاعلات محطة براكة للطاقة النووية، ومحطة الظفرة للطاقة الكهروضوئية في أبوظبي، التي تهدف إلى خفض الانبعاثات الكربونية للإمارة أكثر من 2.4 مليون طن متري سنويّاً، أي ما يعادل إزالة نحو 470 ألف سيارة من الطريق.
ومع أن دولة الإمارات العربية المتحدة تواجِه تحديات مرتبطة ببيئتها الصحراوية، واعتمادها التقليدي على النفط، فإنها تمكنت من تحقيق تقدم ملموس في خفض الانبعاثات الكربونية، وتعزيز الاستخدام الفعَّال للموارد، ما يعكس جِديتها في تبني ممارسات مستدامة. وعلى سبيل المثال تهدف «استراتيجية الإمارات للطاقة 2050» إلى زيادة مساهمة الطاقة المتجددة ثلاثة أضعاف في الأعوام السبعة المقبلة، وتلبية الطلب المتزايد على الطاقة نتيجة النمو الاقتصادي المتسارع. وتركز هذه السياسات جميعها على تعزيز الطاقة المتجددة، وتحسين كفاءة الطاقة، والتنمية الحضرية المستدامة، ما يؤكد اهتمام دولة الإمارات بتحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي، والحفاظ على البيئة.
وتستثمر دولة الإمارات - بقوةٍ - في التكنولوجيا والابتكار بصفتهما وسيلتَين لتعزيز الاستدامة، وتشمل الاستثمارات تطوير تقنيات الطاقة الشمسية، وحلول النقل المستدامة، وتقنيات تحلية المياه المتقدمة. ويعكس التركيز على الاستثمار في الطاقة المتجددة والزراعة المستدامة التزام الدولة تنويعَ اقتصادها، وتقليل الاعتماد على النفط، ولا تساعد هذه الاستثمارات على تحقيق الاستدامة فقط، بل تعزز الأمن الاقتصادي أيضاً.
وأظهرت دولة الإمارات - باستضافتها مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (كوب 28)- دوراً رياديّاً في التركيز على الطاقة النظيفة، وتعزيز الاستثمار الاقتصادي فيها، كما أظهرت تبنياً حقيقيّاً للبرامج والاستراتيجيات التي توصِل الدولة إلى هدف الحياد المناخي بحلول عام 2050، أضِف إلى ذلك تبني التحول إلى الاقتصاد الأخضر.
وبرغم هذه الجهود البنَّاءة لدولة الإمارات، فلا تزال هناك تحديات تتعلَّق بتغيير العادات الاستهلاكية لسكانها، وزيادة وعيهم البيئي. ويتطلَّب تحقيق الاستدامة الشاملة تعاون القطاعين الحكومي والخاص والمجتمع المدني معاً، ويتجلى دور المجتمع المدني وجمعيات النفع العام بدولة الإمارات في مواجهة التحدي الأكبر، وهو تعزيز الوعي البيئي لدى أفراد المجتمع، وإدراك الأفراد دورهم في تحقيق الاستدامة باتباع العادات والسلوكيات الإيجابية، والتعامل الصحيح مع النفايات، ودعم التدوير عن طريق الفرز من المصدر، ولا سيَّما تبني الأفراد الفرز داخل البيوت. وأوصت دراسات أجرتها مؤسسات الشيخ محمد بن خالد آل نهيان الثقافية والتعليمية بضرورة إصدار قانون ملزم للأفراد بالفرز من المصدر.
وتُؤكد تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة أن الاستدامة البيئية يمكن أن تكون جزءاً لا يتجزأ من النمو الاقتصادي، وتتحقق بالمواءمة بين السياسات المبتكرة، والتكنولوجيا المتطورة، انطلاقاً من أن الاستدامة هي مفتاح الازدهار والرفاهية للأجيال المقبلة.


*باحثة إماراتية في الأمن الاجتماعي والثقافي، أستاذ زائر بكليات التقنية العليا للطالبات، أستاذ زائر بجامعة الإمارات العربية المتحدة