يكتسب كل من مضيق هرمز وباب المندب أهمية خاصة للتجارة العالمية، وهما ممران بحريان تتحكم فيهما أساساً دول عربية، حيث يعبر الأول يومياً 35% من صادرات النفط العالمية، منها 85% من صادرات النفط الآسيوية و20% من صادرات الغاز، في حين يمر بالمضيق الثاني 10% من تجارة النفط وفق وكالة الطاقة الدولية و12% من حجم التجارة الدولية، 98% من هذه النسبة عبر قناة السويس، والتي منحت هذا الممر البحري كل هذه الأهمية منذ افتتاحها قبل أكثر من 150 عاماً.
ونظراً لهذا الارتباط بين هذا الثلاثي - المضيقان وقناة السويس - فقد اكتسبت المنطقة العربية أهمية استراتيجية استثنائية لا تتمتع بها أية منطقة أخرى، سواء في الجانب الاقتصادي أو العسكري أو الجيوسياسي، وهو ما يفسر الاستنفار الدولي عند تعرض هذا الثلاثي لتهديدات تتعلق بالإغلاق أو بسلامة المرور، مثلما يحدث لباب المندب الآن والمعرض للتهديد من قبل جماعة «الحوثي» باليمن والتي أصابت عدداً من السفن الستين التي تستخدم هذا الممر يومياً بأضرار، مما حدا ببعض شركات النقل البحري الكبيرة، «مرسك» الدنماركية و «أيفرغرين» التايوانية وشركة النفط البريطانية «بي.بي» إلى تعليق مرور سفنها بباب المندب وتحويلها إلى للإبحار عن طريق الرجاء الصالح، متحملة تكاليف إضافية كبيرة ومضاعفة وقت المرور ثلاث مرات.
وفيما يتعلق بالتكاليف، فان من سيدفعها هو المستهلك النهائي في أوروبا وآسيا أساساً، بما فيها منطقة الخليج العربي والبلدان العربية بشكل عام، كما سيستغل الموزعون هذه التطورات لرفع الأسعار أعلى من تكاليف النقل الإضافية التي تحملوها بسبب ذلك.
والأمر الأهم هنا، هو المتعلق بقناة السويس التي تشكل أهمية خاصة للاقتصاد المصري، وكما قلنا آنفاً من أنه لولا قناة السويس لما اكتسب باب المندب كل هذه الأهمية، والعكس صحيح، فلولا باب المندب لما كانت قناة السويس، وهو ما أدى إلى التسرع بالخروج باستنتاجات في طرح البديل للقناة، سواء من خلال مشاريع الطرق الجديدة أو باستغلال أزمة المناخ التي أتاحت لأول مرة عبور السفن للقطب المتجمد الشمالي.
والحقيقة أن أياً من هذه المشاريع، سواء «الحزام والطريق» الصيني أو «الممر الهندي الأوروبي»، الذي يمر بدوره بالجزيرة العربية، وكذلك القطب الشمالي، لن تكون جميعاً بديلاً لقناة السويس بأي وجه من الوجوه، بل على العكس من ذلك، فالحزام والطريق على سبيل المثال تشمل مشاريعه عدداً كبيراً من الدول الأفريقية، كما أن العمل بصورة مستمرة في القطب الشمالي محفوف بالمخاطر وسيعتمد كثيراً على الأجواء المناخية، وهي متقلبة إلى حد كثير، مما قد يكبد شركات النقل خسائر، علماً بأن المشاريع الجديدة سوف تستوعب الزيادة الكبيرة في حجم التجارة الدولية والتي لا يمكن لقناة السويس وحدها استيعابها، وذلك على الرغم من فتح خط عبور جديد بالقناة مؤخراً.
لذلك، فإن ما يحدث الآن بباب المندب لا يعدو كونه جزءاً من الصراع الجيوسياسي، يشكل «الحوثيون» إحدى أدواته الضعيفة ووكيلاً لا يشكل قوة يعتد بها ويمكن وقفه بسهولة إذا قررت القوى التي تدير الصراع ذلك، إذ أنهم ليسوا أكثر من بيدق على رقعة شطرنج كبيرة، مستغلين الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة وتداعياتها غير الإنسانية على الشعب الفلسطيني، في محاولة من «الحوثي» لتحقيق مكاسب على حساب الفلسطينيين، حيث لم تؤثر أعمالهم العدائية على إسرائيل، بقدر ما أضرت مؤقتاً بعائدات قناة السويس، والتي تعتبر أحد الروافد المالية المهمة لمصر الداعم الكبير للشعب الفلسطيني، تلك العائدات  التي مصر بأمسّ الحاجة إليها والتي بلغت 10 مليارات دولار العام الماضي.
نقول مؤقتاً على اعتبار أن اللعبة الدائرة حالياً والضغوط المرافقة لها، ستنتهي سريعاً، وستعود قناة السويس النجم الساطع من بين كافة الممرات البحرية في العالم، ولن تستطيع أية مشاريع مقترحة منافستها أو تكون بديلاً عنها، إذ يتعلق الأمر هنا بجانب مهم جداً، يختص بالوقت والتكاليف والتي لا يمكن لهذه المشاريع أن تجاري فيها قناة مصر التي لا مثيل لها.
*مستشار وخبير اقتصادي