خلال مشاركتي في فعاليات مؤتمر المناخ «كوب28»، حرصت على تأكيد أهمية الحفاظ على الموروث الثقافي والبيئي الغني في الإمارات، والسير قدماً نحو مستقبل مستدام. من قلب الصحراء، حيث تتجذر أشجار النخيل في رمالها الذهبية، نستلهم الدروس لمستقبلنا، مستفيدين من حكمة الأجداد، وإبداع الأجيال الجديدة.
الموروث الإماراتي، الذي يغنيه تراث القادة والحكماء، يمثل جسراً يمتد عبر الزمن يربط بين الماضي والمستقبل. في هذا العصر المتسم بسرعة التغيرات والتحديات البيئية، يبرز سؤال حاسم: كيف نجمع بين حكمة الأجداد وابتكارات العصر الحديث لتحقيق استدامة حقيقية؟ الجواب يكمن في تقديرنا لماضينا، واستخدامه مصباحاً ينير دربنا نحو مستقبل أخضر ومستدام.
الصحراء لطالما كانت موطناً لحياة مستدامة، حيث علمتنا كيف يمكن للإنسان العيش بتناغم مع الطبيعة. أجدادنا عاشوا في هذه البيئة القاسية بحكمة واقتدار، مستخدمين مواردها بكفاءة واحترام. من نظم الري القديمة مثل الأفلاج، إلى تقنيات بناء المساكن التي تتجانس مع البيئة المحيطة، تعلمنا هذه الممارسات القيمة العظيمة للعيش في تناغم مع الطبيعة، وتبين لنا كيف يمكن للتقاليد أن تكون دليلاً نحو مستقبل أكثر استدامة.
في عصر التكنولوجيا والابتكار، يتعين علينا تطوير الدروس المستفادة من الماضي وتطبيقها بأساليب جديدة. ومنها إصدار قوانين وقرارات حكومية مثل حظر الأكياس البلاستيكية في الإمارات، والتي أدت إلى انخفاض استخدامها بنسبة كبيرة، تمثل خطوات مهمة نحو الاستدامة. أيضاً إطلاق مبادرات مجتمعية مثل مبادرة البيت المتميز بيئياً، والتي أطلقتها مؤسسات الشيخ محمد بن خالد آل نهيان الثقافية والتعليمية التي تدعم توجهاً بيئياً مستداماً نحو الوعي البيئي لدى أفراد المجتمع. إن تطبيق مثل هذه القوانين والمبادرات يعكس التزامنا تجاه حماية البيئة، ويظهر كيف يمكن للابتكار أن يعزز ممارسات الاستدامة.
الاستدامة، في جوهرها، لا تقتصر على حماية البيئة فحسب، بل تمتد لتشمل الحفاظ على القيم والثقافات التي تشكل جوهر مجتمعاتنا. إنها تعكس رؤية شاملة تربط بين العناية بمواردنا الطبيعية وتقدير تراثنا الغني. ففي كل خطوة نحو استدامة البيئة، نحافظ كذلك على التقاليد والعادات التي نشأنا عليها، والتي تُعلمنا الاحترام المتبادل للأرض ومواردها.
إن الجيل الجديد، مدعوم بالتكنولوجيا والابتكار، يحمل على عاتقه مسؤولية كبيرة وفريدة من نوعها. هذه المسؤولية لا تقتصر على تطبيق حلول بيئية مبتكرة فحسب، بل تمتد لضمان أن تكون هذه الحلول متناغمة مع قيمنا الثقافية والاجتماعية. ومن خلال الاستفادة من الدروس المتعلمة من الماضي، ومواجهة التحديات البيئية بروح الإبداع والتجديد، يمكن لهذا الجيل أن يبني جسوراً بين العراقة والحداثة، محافظاً على توازن دقيق بين التطور والاستدامة.
نحن مدعوون ليس فقط للتفكير والنقاش، بل للعمل. ويتوجب علينا استكشاف كيف يمكن دمج التقاليد مع الابتكار، وتحدي الأفكار التقليدية حول الاستدامة. كل واحد منا لديه القدرة على إحداث فرق، سواء كان ذلك من خلال مشاريع تعليمية، أو بحث علمي، أو حتى مبادرات مجتمعية، أو عبر التزام شخصي حقيقي بمعايير الاستدامة.
دعونا نتذكر أن كل خطوة صغيرة نتخذها نحو الاستدامة هي خطوة نحو حماية تراثنا وكوكبنا. الفرص والإمكانات متاحة لنا لبناء مستقبل مستدام، ويتعين علينا استخدام ما تعلمناه من ماضينا كأساس لهذا البناء.
*باحثة إماراتية في الأمن الاجتماعي والثقافي، أستاذ زائر بكليات التقنية العليا للطالبات، أستاذ زائر بجامعة الإمارات العربية المتحدة