يُقدِّم البيان المطول لوزارة الخارجية، الصادر يوم 31 ديسمبر 2023، صورة وافية عن الأسس والمبادئ التي تحكم سياستنا الخارجية، والأولويات التي تحدد طريقة تعاملها مع مختلف التطورات الإقليمية والعالمية، إلى جانب استعراض مفصل للطريقة التي تُرجمت بها الأسس والمبادئ والأولويات على أرض الواقع، وفي مواجهة الأحداث التي مر بها العالم عام 2023، ولجهود الوزارة وأعمالها في عدد من القضايا والأحداث المهمة، مدعومة بالأرقام والحقائق الدامغة.
ويعود اتساق سياستنا الخارجية في مختلف القضايا إلى وجود أطر حاكمة توجه تحركاتها، وتنطلق منها رؤاها وخططها ومقارباتها لمختلف الموضوعات. ويتمثل أهم هذه الأطر في وثيقة «مبادئ الخمسين»، إذ تنص على أن الدولة ستبقى «داعمةً عبر سياستها الخارجية لكل المبادرات والتعهدات والمنظمات العالمية الداعية للسلم والانفتاح والأخوّة الإنسانية»، وأن «الدعوة للسلم والسلام والمفاوضات والحوار لحل كافة الخلافات هي الأساس في السياسة الخارجية لدولة الإمارات، والسعي مع الشركاء الإقليميين والأصدقاء العالميين لترسيخ السلام والاستقرار الإقليمي والعالمي يعتبر محركاً أساسياً للسياسة الخارجية».
هذا الوضوح الشديد في صياغة المبادئ التي تمثل مرجعاً لجميع مؤسسات الدولة، حتى عام 2071، وفقاً لنص الوثيقة، يبدو في مقدمة بيان الوزارة، الذي ظهر فيه إدراك الإمارات لطبيعة التحديات الشاملة التي تواجه العالم، وأبرز القضايا الرئيسية التي يلزم التعامل مع تحدياتها، كما ظهر أيضاً عزم الوزارة على الاستمرار في أداء دور فاعل فيها، انطلاقاً من جهودها الناجحة والمؤثرة خلال السنوات السابقة في مؤسسات مثل الأمم المتحدة والمنظمات والمؤسسات والهيئات الإقليمية والدولية المختلفة.
ويظهر ما سبق في ما أشار إليه البيان من أن «الدبلوماسية الإماراتية تدخل العام الجديد وهي أكثر تصميماً على أن يكون عام استقرار وأمن وازدهار لدول وشعوب المنطقة بأسرها، ملتزمة بإيمانها بضرورة تعزيز التعاون الدولي والعمل المتعدد الأطراف». كما حددت وزارة الخارجية عدداً من الملفات المهمة التي تهمّ العالم بأسره، وتحتاج إلى تقوية أواصر التعاون الدولي بشأنها من أجل مستقبل أكثر استقراراً وأمناً ورخاءً للبشرية بأسرها، ومنها «تغير المناخ، والطاقة المتجددة، والمياه، والأمن الغذائي، وتعزيز حقوق الإنسان، ومكافحة التطرف، وتمكين المرأة، وتحقيق التنمية الاقتصادية، وتأمين خطوط الإمداد والملاحة والتجارة الدولية».
وربما يمكن التوقُّف لدى قدرة دولة الإمارات على التأثير في العمل الأممي من خلال اهتمامها بـ«التسامح»، ورؤية الدولة له بوصفه قيمة إنسانية يمكن لتعزيزها عالمياً أن يضع الأسس للمساعدة على تهدئة كثير من الصراعات الكبرى في العالم، وإيقاف نزيف الخسائر البشرية والاقتصادية وتفشي الفقر والجوع والحرمان من التنمية. فقد نجحت الدولة خلال رئاستها لمجلس الأمن الدولي في يونيو 2023، في اعتماد القرار رقم 2686 بشأن «التسامح والسلام والأمن»، الذي قدَّمته بالاشتراك مع المملكة المتحدة، ليؤكد دولياً للمرة الأولى على الرؤية الإماراتية الثابتة حول الارتباط بين خطاب الكراهية وأعمال التطرف والسلام والأمن الدوليين.
وقد اعتُمد القرار بعد جلسة خاصة لمجلس الأمن حملت عنوان «قيم الأخوّة الإنسانية في تعزيز وإدامة السلام»، وشارك فيها فضيلة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، وأنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، وبول ريتشارد المسؤول عن العلاقات مع الدول في الكرسي الرسولي. و«الأخوّة الإنسانية»، بدورها، من بين المصطلحات والقضايا التي دفعتها دولة الإمارات إلى بؤرة الاهتمام الدولي، واجتذبت الأنظار إلى ضرورة تعاون دول العالم من أجل ترجمتها إلى استراتيجيات وخطط للعمل من أجل عالم أكثر أمناً.
وأخيراً، فإن الطيف الواسع من القضايا التي تضمنها التقرير حول ثوابت الدبلوماسية الإماراتية وتحركاتها، يؤكد فاعلية الدولة وحضورها الإقليمي والعالمي، واستخدامها كل الأدوات المتاحة لجعل العالم مكاناً أفضل. ولا يخلو من دلالة أن جهود الدولة خلال الأيام الأخيرة من عام 2023، قد تُوِّجت بقرار مجلس الأمن رقم 2720، الذي كان تطوراً كبيراً على طريق دعم الأشقاء في غزة، وتدفق المساعدات الإنسانية إليهم، وهي خطوة مهمة على مسار متصل في دعم القضية الفلسطينية من خلال كل القنوات المتاحة، وبذل الجهود للوصول بها إلى الحل الشامل والعادل.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية