انطلقت المرافعات نهاية الأسبوع الماضي أمام محكمة العدل الدولية، حيث تتهم جنوب أفريقيا إسرائيل بارتكاب جريمة إبادة جماعية في غزة، في حين تدافع إسرائيل عن نفسها بالقول إن حركة «حماس»، هي التي كانت لديها نوايا لارتكاب إبادة جماعية ضد إسرائيل في السابع من أكتوبر، وأن كل ما تفعله إسرائيل الآن هو استخدام حقها في الدفاع عن النفس.
وبالمقابل، تطلب جنوب أفريقيا من محكمة العدل الدولية اتخاذ إجراءات احترازية للحؤول دون حدوث جريمة إبادة جماعية، وهو ما قد يفضي إلى وقف لإطلاق النار. غير أن أغلب الظن أن الولايات المتحدة ستستخدم حق النقض على الأرجح طلب مجلس الأمن، بناءً على قرار المؤسسة القضائية، تطبيق وقف إطلاق النار وضد أي قرار لاحق للمحكمة.
وكانت المحكمة أصدرت قبل عدة سنوات رأياً استشارياً بشأن جدار الفصل الذي كانت تبنيه إسرائيل بين الضفة الغربية وأراضيها، معتبرةً إياه غير قانوني. هذا الجدار ما يزال قائماً وأشغال بنائه استمرت رغم حكم المحكمة. ولكن بعيداً عن الجوانب القانونية، ينبغي أخذ الجوانب السياسية لهذا الإجراء في عين الاعتبار. فاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية اتفاقية تم التوقيع عليها في 1948، وقد انضمت إليها إسرائيل على الفور، بعد أن عانى الشعب اليهودي من الإبادة الجماعية النازية. ولهذا، فإن تهمة ارتكاب إبادة جماعية لها وزن رمزي ثقيل على إسرائيل. 
جنوب أفريقيا تعتمد في دعواها على عدد القتلى والتداعيات على السكان المدنيين: فقد قُتل حتى الآن 1 في المئة من سكان غزة، وربما أكثر، كما تم نزوح أكثر من 80 في المئة من سكان القطاع. ثم هناك أيضاً الضحايا المقبلون جراء الأوبئة ونقص الغذاء ومياه الشرب. وهناك عشرات الآلاف من المصابين، وبعضهم أصبحوا معاقين.
ولكن أن تكون جنوب أفريقيا هي التي تتهم إسرائيل، فهذا محرج لهذه الأخيرة على اعتبار أن جنوب أفريقيا تتمتع باعتبار خاص كونها البلد الذي تغلب على نظام الفصل العنصري «الأبارتايد»، النظام الذي ظل قائما لفترة طويلة بفضل مساعدة الغربيين، ولكن أيضاً بفضل مساعدة إسرائيل. وخلال حقبة الفصل العنصري، كانت إسرائيل تتعاون مع جنوب أفريقيا. وكانت كلتا الدولتين تعانيان من العزلة على الساحة الدولية، إذ كانت لدى إسرائيل علاقات دبلوماسية أقل مما لديها اليوم. 
ولهذا، ظلت القضية الفلسطينية قضية مهمة بالنسبة لجنوب أفريقيا في مرحلة ما بعد نظام الفصل العنصري، وكان نيلسون مانديلا يذكّر العالم من حين لآخر بـ«إننا لن نكون أحراراً طالما أن الفلسطينيين محرومون منها». هذا التضامن من قبل جنوب أفريقيا مع الفلسطينيين تُرجم أيضاً إلى تضامن من قبل يهود جنوب أفريقيا مع القضية الفلسطينية. ففي عقد الألفينات، قام وفد من يهود جنوب أفريقيا بزيارة إلى الأراضي المحتلة حيث أدانوا الاحتلال وقالوا إن ذلك يذكّرهم بما عاشوه في بلدهم. وكان هؤلاء اليهود الجنوب أفارقة أنفسهم يتضامنون مع «حزب المؤتمر الوطني الأفريقي» من أجل تفكيك نظام الأبارتايد.
وإذا كانت جنوب أفريقيا تعاني من صعوبات اقتصادية وسياسية اليوم، فإن البلاد ما زالت تتمتع، في الجنوب العالمي وفي بقية أنحاء العالم، بصورة البلد الذي هزم نظام الفصل العنصري، وبطريقة سلمية. وبالتالي، فإن الأمر يتعلق بشرعيتين قويتين تتواجهان في هذا الإجراء. غير أن حقيقة أن جنوب أفريقيا هي التي تقاضي إسرائيل، فهذا أمر أكثر إحراجاً لهذه الأخيرة بكثير مما لو كان الفاعل دولة يحكمها نظام مثير للجدل. 
ومن جهة أخرى، فإن وسائل الإعلام الغربية لم تنشر سوى القليل عن مرافعة جنوب أفريقيا، في حين خصصت تغطية أكبر للمرافعة الإسرائيلية. 
ولكن بعيداً عن الجوانب القانونية، وبغض النظر عما سيكون عليه حكم محكمة العدل، وبغض النظر عن حقيقة أنه من المستبعد جداً أن يكون حكمها قابلاً للتنفيذ، فإن تداعيات ما يحدث في غزة على النقاش العام عالمياً هي التي تحرج إسرائيل جداً في الحقيقة. وهذه هي الأسباب التي حدت بها للاستنفار والتعبئة بقوة من أجل التصدي للملتمس الجنوب أفريقي. 
ومن خلال هذا الإجراء، تأمل جنوب أفريقيا أن تقوّي صورتها الدولية، وأن تصبح مرة أخرى بلداً قائداً للجنوب العالمي، وأن تعزز مكانتها داخل نادي «البريكس». وعموماً، يمكن القول إنها نجحت على كل حال في تسليط الضوء على تحركها الدبلوماسي. 

*مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس