ضمن التساؤلات المخيفة المحلقة فوق رؤوسنا في العام الجديد 2024، يأتي السؤال عن أحوال الحياة السياسية لاسيما في المجتمعات الغربية، وملامح ومعالم تلك الحياة في عام الانتخابات، سواء أكانت حزبية برلمانية، أم رئاسية، وما إذا كانت عمليات الاقتراع تلك تقودنا في مسيرة نحو مزيد من الحريات والليبرالية، أم إلى المزيد من دوائر التشدد اليميني والشوفيني، برسم عنصري أحياناً، وعرقي أحياناً أخرى، وبينهما يبقى التأثير العقائدي الديني قائماً وقادماً من أسف شديد.

في السابع عشر من مارس المقبل، سوف تشهد موسكو انتخابات رئاسية، ربما تعد الأكثر إثارة في مسيرة القيصر بوتين، لاسيما بعد أن أكد المتحدث باسم الرئاسة الروسية «ديمتري بيسكوف»، جمع أكثر من 2.5 مليون توقيع لدعم إعادة انتخاب بوتين في انتخابات الرئاسة القادمة. تنظر الدوائر الليبرالية الغربية إلى إعادة انتخاب بوتين كأمر يعزز من التيار الروسي السلافي الذي يميل إلى اليمين بقوة، وبخاصة بعد مرور نحو عامين على الصراع مع أوكرانيا.

ينظر الروس لبوتين على أنه القائد الروسي المنتصر حتى الساعة، والذي لم تنكسر إرادته على صخرة العقوبات الأميركية والأوروبية معاً، بل مضى قابضاً على جمر الأحداث فمن جهة أثبتت استراتيجيته العسكرية قدرتها على مواجهة ومجابهة «الناتو»، حتى الساعة على الأقل، ولم يعد أمام الأخير سوى اللجوء إلى أسلحة الدمار الشامل، وهو ما يعجز عنه أي مسؤول في حلف الأطلسي.

ومن ناحية أخرى، وبشهادة البنك الدولي، بات الاقتصاد الروسي يحتل المركز الخامس ضمن الاقتصادات العالمية، ما يعني أن هناك إرادة وطنية روسية نجحت في العبور بالبلاد في أوقات مأزومة، وإلى موانئ النجاة.

هل تعطي هذه المكاسب لبوتين حظوة في أعين مواطنيه ليتم انتخابه من جديد؟ غالب الظن أن هذا ما ستجري به المقادير، وهو فوز ستكون له تأثيرات مشابهة في دوائر دول أوروبا الشرقية القديمة، وما نراه في المجر بعد فوز فيكتور أوربان من جديد، وميوله الواضحة للغاية لجهة بوتين وروسيا، تقطع بأن تحولاً «يمينياً» سوف يتعزز حضوره في أوروبا.

يعن لنا أن نتساءل عن حال ومآل الجانب الآخر من الأطلسي، حيث الولايات المتحدة الأميركية ماضية قدماً في انتخابات وصفها بعضهم بأنها ستكون الأخطر على العالم وليس على الداخل الأميركي فحسب، وهذا يدفعنا للتساؤل عما يحدث في بلاد العم سام، وهل ستتحقق تنبؤات عالم الاجتماع النرويجي «يوهان غالتونغ» عما قريب؟ الجواب من قلب الكتاب، والكتاب هنا بدأت صفحاته أول الأسبوع المنصرم، حين حقق الرئيس السابق والمرشح الحالي للرئاسة، دونالد ترامب، فوزاً مؤزراً في الانتخابات التمهيدية في ولاية أيوا الأميركية.

فوز ترامب، أعطى انطباعاً للجميع أنه المرشح الأوفر حظاً لتمثيل الحزب «الجمهوري» في انتخابات نوفمبر القادم، وهو ما أقر به الرئيس الحالي جو بادين، فيما كانت لغة جسده تعبر عن دلالات هذا الفوز. ما الذي يعنيه تقدم ترامب في مسيرته نحو البيت الأبيض مرة جديدة؟

لا يمكن القطع بأن الرئيس الذي جاء من خارج المؤسسة السياسية الأميركية كانت ينتمي إلى معسكر اليمين الأميركي المتطرف، فالرجل لم يكن ليميل إلى هذا التوجه، غير أن سنواته الأربع في البيت الأبيض، جعلته مركز تجمع ليمين الوسط الأميركي على الأقل، ورمزاً للشعبوية الأميركية في مواجهة التيارات الليبرالية، كما الحال في جماعة «اليسار» الأميركي «الديمقراطي»، والتي باتت أميركا تعاني معها بقوة مؤخراً.

فوز ترامب الأخير في ولاية آيوا، يعني أننا بالفعل سنشاهد موجة شعبوية أميركية خلال عام الانتخابات، ومن متناقضات القدر أن النوتة الموسيقية لها، ستكون صنو نظيرتها في موسكو، وبعض العواصم الأوروبية، وربما الأفريقية التي ستجري فيها انتخابات مشابهة، ما يعني أن الحياة السياسية الدولية العام الجاري معرضة لأن تجري في «نهر اليمين الشعوبي، لا محيط الليبرالية المتحررة».

*كاتب مصري