كان للهند حضور كبير في نسخة هذا العام من الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي. ويندرج ذلك في إطار الجهود الحكومية الرامية إلى الترويج للهند في وقت ما زالت تعتبر فيه الاقتصاد الأسرع نمواً في العالم. الاجتماع السنوي للمنتدى، الذي انعقد هذا العام في الأسبوع الثاني من شهر يناير، شارك فيه عدد من الوزراء الهنود من أجل البعث برسالة مفادها أن الهند تفرض نفسها باعتبارها اقتصاداً قوياً. فاليوم، تُعد الهند أسرع اقتصاد نمواً في العالم، ولديها تركيبة سكانية شابة من شأنها أن تشكل محركاً للاستهلاك.
هذا النمو الاقتصادي السريع يثير اهتماماً عالمياً. والجدير بالذكر هنا أن «البنك الآسيوي للتنمية» عدّل الشهر الماضي توقعاته لمعدل النمو السنوي للهند للسنة المالية حتى شهر مارس 2024، إذ رفعه من 6.3 في المئة إلى 6.7 في المئة، وهو ما يضع الهند في مرتبة متقدمة جداً على كل الاقتصادات الكبيرة.

ومن المتوقع أن يستمر الاقتصاد الهندي في النمو. وفي دافوس، عمل المسؤولون الهنود على الترويج للقوة الاقتصادية المتنامية للهند من أجل اجتذاب مزيد من الاستثمارات الأجنبية. وعلاوة على ذلك، تتمتع الهند أيضاً بميزة جيوسياسية وسط التوترات بين الولايات المتحدة والصين، بالإضافة إلى جائحة كوفيد 19 التي عطّلت سلاسل التوريد، مما دفع البلدان إلى تنويع مورّديها والانخراط في «استراتيجية الصين زائد واحد».
الهند تأمل في جذب الشركات الأجنبية إليها من أجل تعزيز التصنيع، وتسوّق لنفسها باعتبارها مركزاً للتكنولوجيا بفضل تفوقها في مجال البرمجيات. وفي هذا الإطار، شاركت في منتدى دافوس، الذي يلتقي فيه قادة الأعمال الأكثر نفوذاً في العالم، شركاتُ برمجيات هندية مثل «ويبرو» و«إنفوسيس» و«تاتا»، و«إتش سي إل تك» من أجل استعراض ابتكاراتها وحلولها في مجالات تكنولوجية مهمة مثل الذكاء الاصطناعي. وإلى جانب الحكومة الفيدرالية الهندية، حضرت دافوس أيضاً الولاياتُ الهندية الأكثر نمواً مثل مهاراشترا وتاميل نادو وتيلانجانا وكرناتاكا، حيث قدّمت نفسها باعتبارها مراكز تكنولوجية للتصنيع والذكاء الاصطناعي. 
وخلال هذا المنتدى، وقّعت حكومة ولاية كرناتكا الواقعة جنوب الهند مذكرات تفاهم مع 7 شركات تشمل مقترحات استثمارية تصل قيمتها إلى 220 مليار روبية. كما وقّعت ولاية ماهاراشترا مذكرات تفاهم بقيمة 1.4 تريليون روبية على هامش اجتماع المنتدى الاقتصادي، وذلك عقب اجتماعات كبير وزراء الولاية مع عدد من قادة الأعمال الدوليين. ويُظهر حضور الولايات وترويجها للاستثمار حجم المنافسة بين الولايات الهندية على جذب الاستثمارات الأجنبية.
الهند قدّمت نفسها كبلد ابتكار ومركز عالمي للأعمال. وتم استعراض الإصلاحات الرئيسية التي تشهدها البلاد مثل برنامج «قوة السرعة» الذي أطلقه رئيس الوزراء الهندي، و«منصة الواجهة اللوجستية الموحدة» من أجل تسليط الضوء على الجهود التي تبذلها البلاد من أجل النهوض بالخدمات اللوجستية. 
ومن جهة أخرى، ارتفع الاستثمار الأجنبي المباشر خلال السنوات القليلة الماضية من 36 مليار دولار في 2014، عندما تم انتخاب رئيس الوزراء ناريندرا مودي لأول مرة، إلى 70.9 مليار دولار في 2023، وفقاً للأرقام التي جمعتها ناشر الوسائط الرقمية «فيجوول كابيتاليست»، والذي استخدم بيانات «بنك الاحتياطي الهندي» وهو البنك المركزي الهندي. 
وفي دافوس، قدّمت الهند نفسها أيضاً باعتبارها وجهة للاستثمارات الأجنبية. وفي هذا الصدد، عبّر محافظ «بنك الاحتياطي الهندي» عن ثقته في أن التضخم في طريقه إلى الاعتدال، وأن البلاد ستحقق هدف الـ 4 في المئة قريباً. وفي كلمة له في فعالية نُظمت على هامش الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي، أشار رئيس أعلى هيئة مصرفية هندية إلى أن الهند تقدّم صورة للنمو والاستقرار وسط بيئة اقتصادية عالمية حبلى بالتحديات. 
وبسكان يبلغ تعدادهم أكثر من 1.4 مليار نسمة، تجاوزت الهند الصين العام الماضي كأكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، وهو ما يمنحها امتيازاً ديموغرافياً ضخماً. وفي هذا السياق، أشار وزير الاتصالات والإلكترونيات وتكنولوجيا المعلومات الهندي، الذي كان حاضراً أيضاً في دافوس، إلى أن هناك أربع ركائز ساعدت على تحويل الاقتصاد الهندي خلال العقد الماضي في عهد رئيس الوزراء ناريندرا مودي، ألا وهي: إنشاء البنية التحتية المادية والرقمية، وتحقيق النمو الشامل، وتعزيز قطاع التصنيع، وتبسيط الإجراءات البيروقراطية. 
وخلال السنوات العشر الماضية، خاضت الهند حملة تروم التخلص من القيود التنظيمية وألغت أكثر من 1500 قانون وتشريع، وهو ما ساعد الفقراء والأشخاص الذين يعيشون في القرى النائية على فتح حسابات مصرفية من دون متاعب. وخلال الفترة نفسها، تم فتح حوالي 510 ملايين حساب مصرفي جديد. غير أن البلاد تواجه أيضاً بعض التحديات التي تحاول الحكومة التغلب عليها حتى تستطيع الاستفادة من الامتياز الديموغرافي. 
ومما لا شك فيه أنه لا تزال هناك العديد من التحديات. فقد تراجعت قيمة الروبية مقابل الدولار تحت ضغط ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة وتقلب أسعار النفط. كما أن سهولة القيام بالأعمال التجارية، وإن كانت في تحسن مستمر، إلا أنه لا يزال أمامها طريق طويل. كذلك لا بد أن يكون هناك قدر أكبر من اليقين السياسي. غير أنه ليس هناك شك في أن الهند ستظل أسرع الاقتصادات نمواً، وبالنظر إلى كل التغييرات التي تحدث، فلا شك في أن هذه فترة تبعث على التفاؤل وتبشّر بالخير بالنسبة للدولة الواقعة جنوب آسيا.

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية - نيودلهي