في الربيع الماضي، عندما بدأ «كريم لاخاني» باختبار مدى تأثير أداة «تشات جي بي تي» على عمل نخبة مستشاري الأعمال، اعتقد أنهم سيكونون سعداء بهذه الأداة. وفي دراسة أولية أُجريت على عشرين مستشار أعمال، ساعدهم روبوت اللغة على إنهاء مهام تستغرق ساعتين في 20 دقيقة.
يقول لاخاني، الأستاذ في كلية هارفارد للأعمال: «لقد افترضتُ أنهم، مثلي، سيفكرون في أن بإمكانهم القيام بأكثر من ذلك بكثير». وبدلا من ذلك، كان لدى المستشارين مشاعر من عدم الارتياح. وأعربوا عن التقدير لكونهم قاموا بعمل أفضل في وقت أقل، لكن العمل السريع لأداة «تشات جي بي تي» هدد إحساسهم بأنفسهم كأشخاص ذوي مهارات عالية، ويخشى البعض من الاعتماد عليه أكثر من اللازم. قال لاخاني: «لقد كانوا قلقين للغاية وشعروا بأن هذا سيشوه سمعتهم وسيكون نوعاً من الجهد الضائع لأدمغتهم».
بعد هذه الاختبارات الأولية، ابتكر لاخاني وزملاؤه تجربة أكبر ومضبوطة لقياس مدى تأثير تشات جي بي تي على أكثر من 750 عاملًا من ذوي الياقات البيضاء. وأشارت تلك الدراسة، التي هي قيد المراجعة في إحدى المجلات العلمية، إلى نتائج مختلطة بشكل حاد في منتج عمل الاستشاريين. وأدى تشات جي بي تي إلى تحسين سرعة وجودة العمل بشكل كبير في مهمة العصف الذهني، لكنه ضلل العديد من الاستشاريين عند القيام بمزيد من العمل التحليلي.
كما قامت الدراسة بتفصيل مشاعر العمال المتنوعة حول الأداة. وقال «فابريزيو ديل أكوا»، أحد المشاركين في الدراسة، إن تشات جي بي تي يشبه الوجبات السريعة، تصعب مقاومته، وهو سهل الاستهلاك، لكنه في نهاية المطاف سيء بالنسبة للمستهلك.
وفي المستقبل القريب، من المتوقع أن تتولى الروبوتات اللغوية مثل تشات جي بي تي من شركة «أوبن إيه آي»، و«إل لاما» من شركة «ميتا»، و«جيميني» من شركة «جوجل».. العديدَ من المهام الإدارية، مثل كتابة النصوص وإعداد الملخصات القانونية وصياغة خطابات التوصية.
وتعد هذه الدراسة واحدةً من أولى الدراسات التي توضح كيف يمكن للتكنولوجيا أن تؤثر على العمل المكتبي الحقيقي والعاملين في المكاتب.
وقالت مريم علوي، الأستاذة في كلية شيلر للأعمال في معهد جورجيا للتكنولوجيا، والتي لم تشارك في التجارب: «إنها دراسة مصممة بشكل جيد، خاصة في مجال ناشئ مثل هذا». وأشارت علوي، التي درست تأثير التكنولوجيا الرقمية الجديدة على العمال والمنظمات، إلى أن الدراسة «تشير حقاً إلى مقدار ما نحتاج إلى تعلمه».
وقامت الدراسة بتعيين مستشارين إداريين من مجموعة بوسطن الاستشارية، وهي واحدة من أكبر شركات الاستشارات الإدارية في العالم. وكانت الشركة قد منعت مستشاريها من استخدام روبوتات الذكاء الاصطناعي في عملهم.
وقال فرانسوا كانديلون، المدير الإداري للشركة الذي ساعد في تصميم التجارب: «أردنا أن تشمل الدراسة مجموعةً كبيرةً من العمال الحقيقيين الذين يعملون في مهام حقيقية».
وتم تقسيم المتطوعين إلى مجموعتين، عملت كل منهما على مشكلة استشارات إدارية مختلفة. وفي كل مجموعة، استخدم بعض الاستشاريين تشات جي بي تي بعد 30 دقيقة من التدريب، واستخدمه البعض الآخر من دون تعليمات والبعض الآخر لم يستخدمه.
كانت إحدى المهام هي تبادل الأفكار حول نوع جديد من الأحذية، ورسم خطة عمل مقنعة لتصنيعها، والكتابة عنها بشكل مقنع. وقد كان بعض الباحثين يعتقدون أن البشر وحدهم هم من يمكنهم أداء مثل هذه المهام الإبداعية. بيد أنهم كانوا مخطئين.. فقد أنتج المستشارون الذين استخدموا تشات جي بي تي عملاً قيّمه المقيمون المستقلون بأنه أفضل بنحو 40% في المتوسط. في الواقع، تم تصنيف الأشخاص الذين قاموا ببساطة بقص إنتاج تشات جي بي تي ولصقه بدرجة أعلى من زملائهم الذين مزجوا عمل البرنامج بأفكارهم الخاصة. وكان المستشارون بمساعدة الذكاء الاصطناعي أسرع بنسبة تزيد عن 20%.
ووجدت الدراسات التي أجريت مؤخراً حول أداء تشات جي بي تي في مجال التحليل القانوني ومهام الكتابة الإدارية، أن الروبوت يساعد الأشخاص ذوي الأداء المنخفض أكثر من الأشخاص الأكثر مهارة. ووجد لاخاني وزملاؤه نفس التأثير في دراستهم.
ومع ذلك، ففي مهمة تتطلب تفكيراً مبنياً على الأدلة، لم يكن تشات جي بي تي مفيداً على الإطلاق. في هذه المجموعة، طُلب من المتطوعين تقديم المشورة لشركة تم اختراعها للدراسة. وكانوا بحاجة إلى تفسير البيانات من جداول البيانات وربطها بنصوص وهمية للمقابلات التي أجريت مع المديرين التنفيذيين. وهنا، خدع تشات جي بي تي الموظفين وجعلهم يثقون به أكثر من اللازم. وكان لدى البشر من دون مساعدة الإجابة الصحيحة في 85% من الحالات. أما الأشخاص الذين استخدموا تشات جي بي تي من دون تدريب، فسجلوا ما يزيد قليلاً عن 70%. وكان أداء أولئك الذين تم تدريبهم أسوأ من ذلك، حيث حصلوا على الإجابة في 60% فقط من الحالات.
قالت «هيلا ليفشيتز عساف»، أستاذة الإدارة في كلية «وارويك» للأعمال في بريطانيا، في مقابلات أجريت بعد التجربة: «أخبرنا الناس أنهم أهملوا التحقق من الأمر لأنه مصقول للغاية، ويبدو صحيحاً للغاية». وقال العديد من المستشارين إن تشات جي بي تي جعلهم يشعرون بعدم الارتياح بشأن الكيفية التي ستغير بها الأداةُ مهنتَهم وحتى إحساسهم بأنفسهم. وقال كانديلون، من مجموعة بوسطن الاستشارية، إن ما يقرب من 3 من كل 4 مشاركين أخبروا الباحثين أنهم يشعرون بالقلق من أن استخدام تشات جي بي تي قد يتسبب في ضمور عضلاتهم الإبداعية.

ديفيد بيريبي

مؤلف كتاب «نحن وهم.. علم الهوية»

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»