تبدو انتخابات الرئاسة الأميركية القادمة مثيرة، شكلاً وموضوعاً، وقد جرى القول، إنها تهم الداخل الأميركي بأكثر من الخارج، غير أنها هذه المرة تكاد تشمل الجانبين، لأسباب شتى، ربما في مقدمها أزمات أميركا الاقتصادية التي تمثل ضغوطاً كبيرة على سياقات الاقتصاد العالمي، عطفاً على تشابكات الخيوط السياسية، وتداخلات القضايا الأمنية، ما بين واشنطن وبقية أطراف العالم.

تحدث أحد المتكلمين عن شؤون الانتخابات الرئاسية الأميركية ذات مرة، فشبهها بأنها كالنهر الجارف، والذي يمكن أن يغير اتجاهاته، وفقاً لاندفاع التيار وقوته، وبقية أحوال الطقس ومآلاتها. يصدق هذا القول عادة، لاسيما حال تغيير دفة القائد في البيت الأبيض من «جمهوري» إلى «ديمقراطي»، أو العكس، وهو ما تجلى في العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين، فقد استهلت واشنطن الأيام مع الرئيس بوش الابن، الرجل الذي جاء من عالم «المحافظين الجدد»، وزمن حروب أميركا في الشرقين الأدنى والأوسط، ثم أوباما الذي فضل القيادة من وراء الكواليس عالمياً، وليس شرقاً أوسطياً فحسب، وتلاه دونالد ترامب الذي غير الدفة مرة واحدة، لتعود القيادة لجو بايدن، حيث الضبابية تخيم فوق أرجاء أميركا وخارجها. ما الذي يمكن أن تسفر عنه الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة في نوفمبر؟

الشاهد أنه لا يمكن تقديم جواب واضح مادام السباق الانتخابي التمهيدي، لم يصل إلى نهايته، بمعنى الوقوف عند من يمثل الحزبين الكبيرين «الجمهوري» و«الديمقراطي». على صعيد الحزب «الجمهوري»، تبدو حظوظ المرشح دونالد ترامب، الرئيس السابق، كبيرة جداً، فقد انسحب غالبية من سعوا للحصول على ترشيح الحزب، وبعضهم أعلن انضمامه إلى دعم ترامب، كما الحال مع حاكم ولاية فلوريدا «رون ديسانتيس»، ومعه الفتى الصاعد رجل الأعمال «فيفيك راماسوامي»، ولم يتبق في الحلبة سوى «نيكي هايلي»، غير أنها لم تحقق أية انتصارات في ولاية آيوا أو نيوهامبشير، ما يعني أن الطريق «نظرياً» مفتوح أمام ترامب. لكن التساؤل الأكثر إثارة: هل القيادات «الجمهورية»، لاسيما التي لم تكن تحمل وداً لترامب خلال سنوات حكمه، ترحب بهذا الترشيح من جديد؟

غالب الظن أن هناك محاولات تجري لإزاحة ترامب، لا سيما أنه الرجل القادم من خارج المؤسسة السياسية الأميركية التقليدية، لكن الحشد الشعبي الملتف من حوله يجعل قيادات الحزب في مأزق. الإشكالية التالية في مسيرة ترامب، موصولة بقدر كبير من القضايا المرفوعة ضده، وهناك احتمالات كبيرة أن تصدر ضده أحكام، بعضها قد يصل إلى السجن، وهنا تبدو الحيرة الكبرى، هل يمكن أن ينتخب رئيس محكوم بالسجن؟ يحاجج بعضهم في الداخل الأميركي بالقول، إن المحكمة العليا هي التي يمكن أن تنهي أزمة ترشح ترامب، وبخاصة إذا حكمت بأنه ينطبق عليه التعديل رقم 14 في الدستور الأميركي، والذي أقر في التاسع من يوليو من عام 1868، وتشير فقرته الثالثة إلى أنه: «لا يجوز لأي شخص أن يشغل منصباً حكومياً أو عسكرياً سبق له القسم باحترام دستور الدولة، ثم اشترك بعد ذلك في أي تمرد أو عصيان ضدها».

هل ما جرى في 6 يناير 2021 من محاولة تعطيل إقرار انتخاب بايدن رئيساً، كفيل بأن ينهي أحلام ترامب؟ على الجانب «الديمقراطي»، تبدو الأزمة بدورها قائمة وقادمة، لا سيما في ظل الرئيس بايدن، والفخاخ المنصوبة لإدارته في الداخل، كما الحال في أزمة تكساس، وفي الخارج بدءاً من أوكرانيا، مروراً بالمواجهات مع الصين، وفخ ثيوسيديديس الفاغر فاه ضده، وصولاً إلى الخليج العربي والبحر الأحمر، ثم ملف الصراع في فلسطين. يكاد المستمع لما يدور في كواليس «الديمقراطيين»، أن يصل لقناعة بأن هناك بديلاً يعد لبايدن، والأنظار تتوجه لميشال أوباما، أو غافين نيوسوم حاكم ولاية كاليفورنيا. تبدو أميركا وكأنها في سياق تصدير موسم إثارة جديد للعالم عما قريب.

*كاتب مصري