خلال العقد الماضي، شهدت العلاقات بين الهند وفرنسا تطوراً في عدد من المجالات، ولا سيما الدفاع، إذ تَعتبر الهند فرنسا أحد أهم شركائها الأوروبيين. ومؤخراً، زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الهند كضيف شرف في يومها الوطني، حيث حضر الاحتفالات وشاهد العرض العسكري الذي يقام بهذه المناسبة. ولدى وصوله، خُصّص له استقبال حار عكس التقارب والتعاون المتزايدين بين البلدين.
وتوجه دعوة «يوم الجمهورية» في العادة لقادة الدول التي تعتبرها الهند مهمة وترغب في تعميق العلاقات معها. وحلّ الرئيس ماكرون ضيف شرف على الهند بعد عام على الدعوة التي كان رئيس الوزراء ناريندرا قد تلقاها منه لحضور احتفالات «اليوم الوطني» الفرنسي في باريس العام الماضي. زيارة أتاحت الفرصة لزعيمي البلدين للتوقيع على عدد من الاتفاقيات بين الجانبين. 
وفي هذا الصدد، اتفقت الهند وفرنسا على تعميق تعاونهما في مجالات الدفاع والطاقة المتجددة وقطاعات التكنولوجيا. وفي إطار الاتفاق على خريطة طريق لشراكة صناعية دفاعية بين الهند وفرنسا، تم التوقيع على خطاب نوايا بخصوص شراكة فضائية دفاعية، حيث اتفقت الهند وفرنسا على التعاون في الإنتاج المشترك للمعدات الدفاعية مثل المروحيات والغواصات، ليس من أجل القوات المسلحة الهندية فحسب، ولكن أيضاً من أجل الدول الصديقة الأخرى. كما اتفق الجانبان على صيانة وإصلاح وتجديد محركات الدفع الخاصة بالطيران في الهند، بما في ذلك المحرك النفاث للمقاتلة «رافال». وبالإضافة إلى هذه الصفقات الكبرى في مجال الدفاع، تم التوقيع أيضاً على مذكرة اتفاق بين شركة «تاتا» وشركة «إيرباص» لإنشاء خط تجميع لطائرات الهليكوبتر «إتش125» في الهند. ولعل الأهم من ذلك هو اتفاق البلدين أيضاً على تعميق التعاون في جنوب غرب المحيط الهندي، وهو ما يعتبر أمراً في غاية الأهمية. 
العلاقات بين الهند وفرنسا كانت جيدة جداً خلال السنوات الأخيرة. فالعام الماضي، احتفى البلدان بمرور 25 عاماً على شراكتهما الاستراتيجية ووقعا عدداً من الاتفاقيات. كما أعلن البلدان عن خريطة طريق طموحة للعلاقة تحت عنوان «أفق 2047»، بالإضافة إلى خطط للإنتاج المشترك للمعدات العسكرية، ونقل التكنولوجيا المتطورة، وصفقات شراء جديدة للطائرات والمحركات والغواصات الفرنسية. ولعل هذا ما يفسّر الإعلانات التي أعقبت المحادثات بين رئيس الوزراء مودي والرئيس ماكرون، والتي شكّلت استمراراً لجدول الأعمال الذي تم تحديده العام الماضي.
وبالإضافة إلى الاتفاقيات، كان الجانبان أفرجا أيضاً عن خريطة طريق هندية- فرنسية لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ خلال زيارة رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى باريس العام الماضي. وتحدد خريطة الطريق هذه التزاماً بتعزيز الاتفاقات متعددة الأطراف مع بلدان مثل أستراليا والإمارات العربية المتحدة. كما يتطلع الجانبان إلى تنفيذ استراتيجيات مشتركة لمواجهة التحديات الأمنية في منطقة الهند والمحيط الهادئ. ويذكر هنا أن هناك تعاوناً كبيراً بين البلدين في ما يخص منطقة الهند والمحيط الهادئ، بما في ذلك دعم حرية الملاحة ونظام مبني على القواعد.
وعقب المحادثات التي جمعت بين رئيس الوزراء الهندي والرئيس الفرنسي، عبّر الجانبان عن رضاهما إزاء «التعقيد وقابلية التشغيل البيني» المتزايدين للتدريبات الدفاعية المشتركة بين الهند وفرنسا في الجو والبحر والبر، واتفقا على بحث إمكانية إجراء مناورات مشتركة للقوات الثلاث. كما ناقش الجانبان توسيع القدرات، وخاصة في المجال البحري، من خلال التعاون مع بلدان أخرى ذات أفكار ورؤى مماثلة. والجدير بالذكر هنا أن فرنسا، وخلافاً لبلدان أوروبية أخرى، كانت داعماً قوياً وهادئاً للهند لبعض الوقت. فخلافاً للبلدان الأوروبية الأخرى، رفضت فرنسا فرض عقوبات بعد إجراء الهند تجاربها النووية في 1998. كما حرصت خلال السنوات الأخيرة على تعزيز علاقاتها مع الهند، بل ودعمت سعي الهند للحصول على طاقة نووية مدنية.
وعلى هذه الخلفية، حرصت الهند على تعزيز علاقتها مع فرنسا بشكل خاص. وعلى خلفية مساعي «مودي» لجذب الاستثمارات الأجنبية إلى الهند والتي يرى فيها وسيلة لتحفيز النمو الاقتصادي، تحرص نيودلهي على رؤية زيادة في الاستثمارات الفرنسية في الهند في إطار جهودها الرامية إلى زيادة النمو الاقتصادي. وتحتل فرنسا المرتبة الحادية عشرة بين أكبر المستثمرين الأجانب في الهند باستثمار تراكمي قدره 10.49 مليار دولار خلال الفترة ما بين أبريل 2000 وديسمبر 2022، وهو ما يمثّل 1.68 في المئة من إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الهند وفقاً لبيانات وزارة تعزيز الصناعة والتجارة الداخلي، غير أن العلاقة في مجال الدفاع والأمن هي التي تكتسي أكبر قدر من الاهتمام في هذه العلاقة.
ومما لا شك فيه أن الهند تنظر إلى شراكتها مع فرنسا، من قاع البحار إلى الفضاء، باعتبارها ركيزة أساسية للترتيبات المترابطة والمتداخلة في منطقة الهند والمحيط الهادي، وشريك لا غنى عنه من أجل مستقبل سلمي ومزدهر لهذه المنطقة. وما اتفاقية التطوير والإطلاق المشترك للأقمار الصناعية العسكرية من أجل حماية مصالح الأمن القومي إلا دليل على أن التعاون بين البلدين شامل إذ يغطي، فضلاً عن الدفاع والأمن، الاتصال والبنية التحتية والاستدامة والتنمية البشرية.
* رئيس مركز الدراسات الإسلامية - نيودلهي