نتفاجأ يومياً بأخبار حول تقنية حديثة تغزو عالمنا وتنتشر في مجالات حياته، ومن هذه التقنيات المبتكرة حديثاً تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الذي يعد ثورة جديدة في عالم التقنية الدقيقة. ويمثل هذا الابتكار قفزةً نوعية هائلة في عالم التقنيات المعلوماتية، وهو يقدم للإنسان فرصاً كبيرة وإمكاناتٍ واعدةً في مجال الخدمات الطبية والعمليات المعقدة الكبرى إذا تم استغلالها لصالح الجانب الإنساني وجرى العمل على توظيفها لصالح البشرية. لكن ثمة مخاطر وتحديات تشتمل عليها هذه التكنولوجيا لو تم استخدامها في الجانب السلبي، إذ من شأن ذلك أن يعرقل تقدم الإنسان ومشاريعَه التنموية.

ولذا يتعين أخذ هذه الأبعاد بعين الاعتبار والانتباه والحذر، ولعل ذلك ما دفع بمجلس الأمن الدولي إلى عقد أول اجتماع بشأن الذكاء الاصطناعي وتأثيره في السلام والأمن العالميين، وهو أيضاً ما جعل العديد من الحكومات أنحاء العالم ترصد كيفية الحد من مخاطر استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في مختلف مناحي الحياة، بما يساعد على دفع الاقتصاد العالمي نحو آفاق أخرى. واتخذ مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قراراً يدعو المجتمعَ الدولي إلى اتخاذ تدابير وقائية ورقابية في ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي الذي ابتُكر حديثاً وأذهل العالمَ بإمكاناته التوليدية.

ويدعو القرار إلى تعزيز شفافية أنظمة الذكاء الاصطناعي ومراقبتها بشدة، لضمان البيانات المخصصة لهذه التكنولوجيا، وبغية مشاركها وتخزينها والتعامل معها وفق طرق تتوافق مع حقوق الإنسان ومصالحه. ومما دفع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى التحذير من أن الذكاء الاصطناعي قد يشكل خطراً على السلم والأمن الدوليين كونه يخترق قدرات الإنسان ومشاعره ومهاراته الطبيعية، داعياً الدولَ الأعضاءَ إلى وضع ضوابط ملزمة ورادعة، لإبقاء التقنية تحت السيطرة والرقابة الصارمة لكي لا تفلت الأمور مِن عقالها. وقال غوتيريش في جلسة مجلس الأمن المذكورة آنفاً: «مِن الواضح أن الذكاء الاصطناعي سيكون له تأثير في جميع مناحي الحياة»، مشيراً إلى أن هذه التقنية قادرة على المساعدة في وضع حد للفقر وفي علاج الإمراض المستعصية، لكن قد تكون لها «عواقب خطرة جداً على السلام والأمن العالميين».

وحذّرت منظمة «اليونيسكو» من أن استخدام الذكاء الاصطناعي لتعزيز التطور في مجال التكنولوجيا العصبية، كما في حالة غرزات الدماغ وربط الجهاز العصبي البشري بأجهزة إلكترونية محفزة، يشكل تهديداً للحياة العقلية للأفراد ويخترق خصوصيتهم، داعيةً إلى وضع إطار أخلاقيات صارمة يتعلق بحماية حقوق الإنسان في مواجهة التكنولوجيات الدقيقة التي تهدف إلى اختراق الجهاز العصبي للإنسان.. ولو كان ذلك بهدف علاج الحالات العصبية واستعادة الوظائف المتعلقة بالحركة.

كما حذّر الاتحاد الأوروبي من تداعيات الذكاء الاصطناعي وتأثيرها على العامل البشري وتعطيل مهامه الإنسانية، في الوقت الذي ظهرت فيه دعوات لإنشاء هيئة تابعة للأمم المتحدة لإدارة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، على غرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ووصل الأمر إلى حد أن عرّاب الذكاء الاصطناعي «جيفري هينتون»، وهو عالم نفس وكومبيوتر (بريطاني كندي) عمل لعقد من الزمن مع شركة غوغل، حذّر من المخاطر الكبيرة لأنظمة الذكاء الاصطناعي الحديث، مشيراً إلى أنها قد تخرج عن السيطرة وتعطل الأعمال والوظائف.

وهناك مَن يقول بأن الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى الانقراض البشر وتهميشهم، وقد يتسبب في كارثة عالمية تشل حركة الإنسان وممارساته العادية، على اعتبار أن تفوق الذكاء الاصطناعي على الأدمغة البشرية وتجاوزها يمكن أن يؤدي إلى إنتاج أجهزة وآلات دقيقة حديثة لا تخطر على البال، سيصعب التحكم فيها وسيتوقف مصير البشرية على تصرفاتها. إن هذه الآراء والتحذيرات تقودنا إلى القول بأن العلم الذي يعد مظهراً لحضارة الإنسان ورقيّه وتطوره عندما يستغل بشكل إيجابي ونافع، قد يتحول إلى خطر محدق عندما يستغل بشكل سلبي وضار، أي بعيداً عن القيم الأخلاقية الإنسانية!

*كاتب سعودي