عززت البحرية الهندية وجودها في خليج عدن، وبحر العرب على إثر الأزمة المزدوجة، التي طالت الشحن والتجارة العالميين، إذ تعرضت الطريق التجارية التي تمتد من قناة السويس إلى المحيط الهندي عبر البحر الأحمر، وهي ممر ملاحي دولي يمثّل 12 في المئة من التجارة العالمية، لاضطرابات جراء الأزمة في البحر الأحمر. وفي هذا الإطار، شاركت البحرية الهندية في ما يربو عن 12 عملية إنقاذ، في مؤشر على القوة البحرية المتنامية للهند وتصميمها المتزايد على أن ينظر إليها باعتبارها لاعباً عالمياً لا يتوانى عن المساعدة في أوقات الحاجة. وإذا كانت البحرية الهندية موجودة هناك لحماية حركة الشحن الهندية، فإنها ساهمت أيضاً في الاستجابة لنداءات استغاثة أطلقتها سفن تابعة لجنسيات أخرى عندما تعرضت لهجمات بطائرات مسيّرة وصواريخ أثناء مرورها من البحر الأحمر.
وفي غضون ذلك، عاد خطر القرصنة، الذي كان قد تراجع في ظل التعبئة الدولية، إلى الظهور مرة أخرى منذ العام الماضي مهدداً التجارة من أوروبا إلى آسيا. ويعتقد على نطاق واسع أن القراصنة يريدون استغلال الوضع، حيث يرون فرصة لاستئناف أعمال القرصنة في المياه الواقعة قبالة سواحل الصومال، والتي تشمل بحر العرب وخليج عدن. ولهذا، فإن الهند تركز تحركاتها بشكل رئيس على مكافحة تهديد القرصنة.
البحرية الهندية تعمل بشكل استباقي مع قوات بحرية من المنطقة وخارجها من أجل تعزيز الأمن البحري في المحيط الهندي. وقد رفعت بشكل مهم جهود المراقبة البحرية وسط بحر العرب وشماله وزادت مستويات القوة المنتشرة، وتشمل تلك الجهود المراقبة الجوية بوساطة طائرات الدوريات البحرية بعيدة المدى ونظام الطائرات الموجهة عن بعد لمراقبة كامل المجال البحري. كما تقوم الهند بالتنسيق مع دول صديقة لرصد التهديدات واكتشافها بشكل أفضل ومساعدة السفن التي تواجه صعوبات. وفي هذا الإطار، يمكن القول إن الهند تميزت عن منافساتها الإقليمية في جنوب آسيا. وعلى سبيل المثال، فمن المعروف أن الهند وباكستان دولتان متنافستان تربطهما علاقات ليس بالسهلة، غير أن ذلك لم يمنع الهند من مساعدة باكستان أيضاً.
الشهر الماضي، أنقذت البحرية الهندية 19 مواطناً باكستانياً كانوا على متن مركب صيد يرفع العلم الإيراني واعتقلت 11 قرصاناً. وقد تأتى ذلك بعد أن رصدت البحرية الهندية السفينة المختطفة، ما حدا بها إلى إطلاق طلقات نارية تحذيرية في المياه لإجبار القراصنة على الاستسلام.
كل هذا يندرج في إطار الجهود التي تبذلها الهند للظهور بمظهر القوة الإقليمية التي تعمل من أجل توفير الأمن ليس في المياه الهندية فحسب، ولكن في المياه الدولية أيضاً، وذلك انسجاماً مع المكانة العالمية المتنامية للهند على خلفية النمو الاقتصادي السريع الذي تحققه. ولا شك أن الهند قوة بحرية متنامية، ولديها رؤية عالمية في ما يخص قوتها البحرية، والرسالة التي تبعث بها هي أن الهند لن تتوانى عن استخدام قوتها البحرية من أجل المصلحة الجماعية وفعل ما يلزم دفاعاً عن بحرية الملاحة، وإيماناً بأن الممرات البحرية ينبغي أن تبقى مفتوحة وألا تعرقل.
ولكن اللافت هنا أن نيودلهي لم تنضم إلى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في البحر الأحمر بسبب حرصها على استقلاليتها الاستراتيجية، التي أصبحت حجر الزاوية في سياسة الهند الخارجية. فعلى الرغم من العلاقات الوثيقة التي تربطها بالولايات المتحدة، إلا أن الهند واصلت تعزيز علاقاتها مع روسيا، وهو ما يظهر بوضوح أنه على الرغم من قربها المتزايد من الولايات المتحدة، إلا أنها لاعب مستقل.
وفي الوقت نفسه، تُظهر الهند أيضاً تصميمها القوي على ملاحقة القراصنة بقوة، لأن صادراتها إلى أوروبا ووارداتها من الطاقة أخذت تتأثر بتغيير مسار السفن. ولهذا، فإن رسالتها واضحة ومؤداها أنها لن تحمي مصالحها الخاصة فحسب، ولكنها ستهبّ أيضاً لمساعدة البلدان الأخرى في أوقات الحاجة، لأن قدرتها ونفوذها وسمعتها الكبيرة تقتضي منها تقديم المساعدة في المواقف الصعبة التي يواجهها المجتمع العالمي.
الجهود الرامية للعب دور أكبر تأتي وسط تزايد نفوذ الهند العالمي على خلفية نموها الاقتصادي السريع. ويذكر هنا أن دولاً مثل الولايات المتحدة كانت تشدد على ضرورة أن تضطلع الهند بدور عالمي أكبر، بما في ذلك في البحار.
ولهذا، فمن أجل الاستجابة لاحتياجات الهند البحرية الاستراتيجية المتزايدة، هناك حاجة ملحة إلى تسريع وتيرة التحديث البحري بشكل مهم. ولئن كانت الهند تمتلك حاليا ًحاملتي طائرات، فإن هناك تحديات أمام التحديث البحري الهندي. والأكيد أن البحرية الهندية قد أحدثت تأثيراً دولياً، وأن تركيزها لاعباً يوفر الأمن قد ازداد من خلال تعزيز عمليات المراقبة والأمن البحري التي تقوم بها.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي