يشهد العالم سباقاً تنموياً جيوسياسياً في ماراثون الممرات التجارية، وقد بدأته الصين بمبادرة «الحزام والطريق» في عام 2013؛ أي قبل أكثر من عشرة أعوام، وهو مشروع ضخم برأسمال قدره تريليون دولار، وشمل بلداناً عدةً في آسيا وأوروبا وأفريقيا، وعُني ببناء كل مقومات المشروع في هذه البلدان من مرافئ وسكك حديد وطرق. وقد أُطلق على هذه المبادرة اسم طريق الحرير الجديد تيمناً بشبكة الطرق التي كانت تربط بين الشرق والغرب قديماً لنقل الحرير والمنتجات التجارية المتعددة، وكان يطلق عليها «طرق الحرير»، وتعني بـ«الحزام» الطرق البرية التي تربط الصين بأوروبا عبر آسيا الوسطى وجنوب آسيا وجنوب شرقها، بينما يشير مصطلح «الطريق» إلى شبكة بحرية تربط الصين بالموانئ الرئيسية عبر آسيا والمحيط الهندي والشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوروبا.
في مدينة نيودلهي تم الإعلان في يوم 9 سبتمبر 2023 عن «الممرات الدولية الخضراء»، وذلك على هامش قمة مجموعة دول العشرين التي استضافتها الهند، وهو مشروع عملاق سوف يساهم في رسم خرائط اقتصادية جديدة للشرق الأوسط. وخلال توقيع للمشروع الاقتصادي («الممرات الخضراء») كرر الرئيس الأميركي جو بايدن الشكرَ لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وأشاد بدور الإمارات في الدفع باتجاه تحويل الفكرة إلى مشروع عملاق طموح، تم بعدها التوقيع على الاتفاق المبدئي للمشروع بين كل من الولايات المتحدة والهند والسعودية والإمارات والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيطاليا. ويتألف المشروع من ممرين منفصلين هما «الممر الشرقي» الذي يربط الهند بالخليج العربي و«الممر الشمالي» الذي يربط منطقة الخليج بأوروبا. ويختصر المشروعُ مدةَ نقل البضائع من الهند إلى أوروبا بنسبة 40 بالمئة. وتنقل «الممرات الخضراء» النفطَ والهيدروجينَ الأخضرَ من الخليج، مروراً بالأردن وإسرائيل باتجاه أوروبا.
ومن المهم الإشارة هنا إلى دور قناة السويس، إذ ستكون جزءاً هاماً من هذا المشروع، حيث تنقل حالياً 13 بالمئة من التجارة العالمية. وتشمل الممراتُ شبكةً من السكك الحديدية والطرق المائية العابرة للحدود لتنشيط طرق النقل البرية والبحرية القائمة وتمكين مرور السلع والخدمات التي تغذي المشروع العملاق الذي بلغت كلفته 500 مليار دولار، بحسب تصريح الرئيس الأميركي جو بايدن خلال القمة. ويعد هذا المشروع أحد أضخم المشروعات التجارية العالمية لما يختزله من خطوط للسكك الحديدية، ولربطه الكثيرَ من الموانئ البحرية وتعزيزه التبادلَ التجاري بين الدول وتسهيل مرور البضائع وتطوير عملية نقل الكهرباء المتجددة والهيدروجين النظيف عبر كابلات وخطوط أنابيب، من أجل تعزيز أمن الطاقة، ودعم جهود تطوير الطاقة النظيفة، كما يشمل خرائط لتنمية الاقتصاد الرقمي عبر الربط والنقل الرقمي للبيانات من خلال كابلات الألياف البصرية.
وفي الإطار الخليجي فإن مشروعي «الممرات الخضراء» و«الحزام والطريق» يؤكدان الدور الجيوستراتيجي لدول الخليج في عالم متغير ومتشابك المصالح، سواء تلك التي تنطلق من الصين أو تلك المنطلقة من الهند، فـ «دول مجلس التعاون الخليجي باتت الممر الجغرافي والسياسي والمالي لإنجاز التجارة العالمية ونقلها من الخرائط إلى الميادين ومن الأفكار إلى التنفيذ.
ومهما قيل عن وجود تنافس قوي بين مشروعي «الممرات الخضراء» و«الحزام والطريق»، فالأكيد أن الممرات الجديدة سوف تعمل في خطين اقتصاديين متوازيين، ذلك أن الاقتصاد صنو السياسة وهو الكيان الذي تذوب بين جنباته الكثير من القضايا وتنطفئ له جذوة الحروب وتتشكل عبره الاصطفافات والتحالفات، والعكس صحيح.
عبر التاريخ، أنشأت الصين «طريق الحرير» القديم، وأنشأت الهند «طريق البهار» القديم، والعرب أيضاً كانت لهم ممراتهم وحركتهم التجارية الموثقة عبر التاريخ، وسكة حديد الحجاز تختزل حركة اقتصادية كانت مزدهرة في حينها، إذ كانت تمتد من دمشق إلى الحجاز، مروراً بالعقبة أيام السلطة العثمانية. وكانت للعرب أيضاً رحلتان تجاريتان قبل الإسلام، «رحلة الشتاء»، و«رحلة الصيف» لنقل البضائع بين الجزيرة العربية وكل من اليمن والشام.

*كاتبة سعودية